يواجه العراق تهديداً بتفاقم العجز المالي على المدى المتوسط إثر تراجع إيرادات النفط بسبب انخفاض الأسعار فضلاً عن تزايد معوقات التمويل، في الوقت الذي ارتفع فيه تقدير سعر الخام اللازم لتحقيق التعادل في الميزانية ما يزيد عن 55%، بحسب صندوق النقد الدولي.
على الرغم من إشادة الصندوق بتمكن العراق من الحفاظ على الاستقرار الداخلي رغم الاضطرابات في المنطقة وحالة الضبابية العالمية، إلا أنه يتوقع أن "تعرقل قيود التمويل وانخفاض إيرادات النفط الإنفاق المالي، مما سيلقي بظلال إضافية على النشاط الاقتصادي.. أدى التوسع المالي الكبير في السنوات الأخيرة إلى تزايد مواطن الضعف في البلاد، ما فاقمه الانخفاض الأحدث في أسعار النفط"، وفق التقرير الصادر عن المجلس التنفيذي للصندوق اليوم الأربعاء بعد اختتام مشاورات المادة الرابعة.
ويُنتظر أن تسجل المالية العامة للعراق تراجعاً ملحوظاً، إذ يُقدر العجز في الموازنة العامة بنحو 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، ليتسع إلى 7.5% في 2025، ثم 9.2% في 2026.
يأتي ذلك في ظل انخفاض الإيرادات النفطية من 36% من الناتج في 2024 إلى 31% في 2026، مقابل ارتفاع في الإنفاق العام من 43.5% إلى 43.8% خلال الفترة ذاتها، لا سيما في بند الأجور والمعاشات الذي سيصل إلى 24.5% من الناتج في 2026، بحسب الصندوق.
وتسعى الحكومة العراقية لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، الذي يشكّل أكثر من 90% من إيرادات الدولة، حيث تم اتخاذ خطوات لتعزيز القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة والسياحة، إلى جانب إجراءات لتحسين بيئة الأعمال وتقديم ضمانات للقطاع الخاص مستهدفين جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لتنمية القطاعات.
على الرغم من ذلك، ما زال النفط يشكل المصدر الرئيس للإيرادات والصادرات في البلاد، إذ يُتوقع أن يبلغ متوسط إنتاج النفط الخام 3.9 ملايين برميل يومياً في 2024، ويرتفع إلى 4.1 ملايين برميل في العامين التاليين. أما الصادرات النفطية فستبلغ 3.4 ملايين برميل يومياً في 2024، لترتفع إلى 3.5 ملايين في 2025 و2026.
بحسب تقديرات الصندوق، فإن عائدات النفط مرشحة للتراجع من 99.2 مليار دولار في 2024 إلى 84.2 مليار دولار في 2025 ثم إلى 79.2 ملياراً في 2026، متأثرة بانخفاض الأسعار التي تراجعت من متوسط عند 80.6 دولار للبرميل في العام الماضي، إلى 65.9 دولار للبرميل في العام الجاري، و62 دولاراً للبرميل في العام المقبل.
ورفعت المؤسسة الدولية، التي تتخذ مقراً في واشنطن، سعر النفط اللازم لتحقيق التوازن المالي في العراق إلى 84 دولاراً للبرميل في 2024 من 54 دولاراً في 2020، لتعزو ذلك إلى التوسع في الإنفاق وضعف الإيرادات غير النفطية.
وتراجع سعر خام برنت إلى قرابة 70 دولاراً للبرميل في الوقت الحالي، من مستوى يزيد عن 80 دولاراً والذي بلغه في مطلع العام الجاري.
وتتعرض أسعار النفط لضغوط جراء حالة التوترات التي تثيرها الرسوم الجمركية الأميركية ومخاوف من فائض في السوق.
وترجح تحليلات "بلومبرغ إنتليجنس" ظهور فائض في سوق النفط يتجاوز مليون برميل يومياً في النصف الثاني من العام. وما لم يُبطئ تحالف "أوبك+" وتيرة زيادة الإنتاج أو يتحسن الطلب بشكل غير متوقع، فقد تظل أسعار النفط تحت ضغوط هبوطية مستمرة حتى نهاية العام.
لكي تتفادى بغداد العراقيل المالية، فهي بحاجة لإجراء إصلاحات جوهرية لزيادة الإيرادات غير النفطية، والسيطرة على فاتورة أجور القطاع العام، وتعزيز إمكانات النمو غير النفطي، من خلال وضع أجندة إصلاح هيكلي طموحة، بحسب التقرير.
وتباطأ نمو القطاع غير النفطي بالعراق إلى 2.5% في 2024 من 13.8% في 2023، وفق تقديرات صندوق النقد الصادرة اليوم، ويُتوقع أن يتفاقم التباطؤ إلى نمو عند واحد بالمئة فحسب في العام الجاري، قبل أن يتحسن قليلاً إلى 1.5% في العام المقبل، ما يعكس هشاشة الاقتصاد خارج قطاع الطاقة ويخالف ذلك بشدة توقعات الحكومة لنمو الاقتصاد غير النفطي عند 4% في العام الجاري، بحسب وزارة المالية العراقية في مايو الماضي.
عجز حاد في الحساب غير النفطي وارتفاع الدين العام
أشار التقرير إلى استمرار تسجيل عجز أولي كبير في الميزانية غير النفطية للعراق، والذي سيبلغ نحو 59.3% من الناتج المحلي غير النفطي في 2024، ويتراجع تدريجياً إلى 51.8% بحلول 2026. كما توقع الصندوق أن يقفز الدين الحكومي إلى 62.3% من الناتج المحلي الإجمالي في 2026، بعد أن ظل مستقراً عند 47.2% في 2024 و2025.
لفت الصندوق أيضاً إلى ارتفاع مخاطر الديون السيادية مما يستدعي في رأيه تدخلاً عاجلاً على مستوى السياسات، كما أشار إلى أنه يتعين على السلطات ضبط مستوى الدين على المدى المتوسط.
كما تضمن التقرير البنود الرئيسية التالية:
_توقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للعراق بنسبة 2.3% خلال عام 2024، قبل أن يعود للنمو بنحو 3.1% في 2025 و1.4% في 2026.
_تشير توقعات الصندوق إلى استقرار معدل التضخم في العراق عند مستويات منخفضة نسبياً، حيث يُقدر أن يبلغ 2.7% بنهاية عام 2024، مع ارتفاع طفيف إلى 2.9% في عامي 2025 و2026.
_على صعيد الحساب الجاري، يُتوقع أن يتراجع الفائض من 2.0% من الناتج في 2024 إلى 0.2% في 2025، ليصل إلى عجز قدره 1.9% في 2026. كما ستتقلص الاحتياطيات الأجنبية من 100.3 مليار دولار إلى 79.2 مليار دولار خلال الفترة نفسها، ما يعادل انخفاضاً من 11.1 إلى 9.6 أشهر من الواردات.
_من المقرر أن يستقر سعر صرف الدينار العراقي عند مستوى 1300 دينار للدولار الأميركي خلال السنوات الثلاث المقبلة، دون تغيير يُذكر. أما الاستثمارات الأجنبية المباشرة فتبقى شبه معدومة، بمعدل صفر بالمئة من الناتج الإجمالي على مدى الفترة حتى 2026.
يُقدر عدد سكان العراق في 2024 بنحو 44.4 مليون نسمة، مع ناتج محلي إجمالي للفرد يبلغ 6183 دولاراً سنوياً. وتُظهر البيانات الأخيرة استمرار معدل الفقر عند 23% وفق بيانات عام 2014، ما يشير إلى الحاجة لمزيد من الإصلاحات البنيوية والتنموية.
وأظهر التقرير تراجعاً في نمو المعروض النقدي (M2) بنسبة 4.3% في 2024، مع تعافٍ نسبي إلى 9.6% في 2025 و4.9% في 2026. في المقابل، من المتوقع أن ينمو الائتمان الممنوح للقطاع الخاص بنسبة 14.3% هذا العام، قبل أن يتباطأ إلى 5.4% ثم يرتفع مجدداً إلى 8.4%.