كتب .. إبراهيم الزبيدي
إن الغضب الإيراني من تسمية الخليج العربي لا مبرر له، فأي تسمية لن تضيف إلى الشعب الإيراني مجدا، ولن تزيد العرب رفعة، فالخليج هو الخليج، وأهله هم أهله الموجودون على ضفتيه منذ عشرات القرون، ولم تقدر إيران سابقا، ولن تقدر لاحقا، أن تطردهم منه تحت أي ظرف وأي اسم وأي كلام.وحين رحب مقتدى الصدر ومؤيدوه العراقيون بالضيوف القادمين من دول (الخليج العربي) فإنهم إنما أرادوا أن يُثبتوا لولاية الفقيه غلبة العصب القومي لديهم على العصب المذهبي، ردا على ما فعلته إيران الشيعية بالعراقيين الشيعة، أولا، وبباقي العراقيين ثانيا، وبالعرب، ثالثا، ورابعا بمقتدى نفسه حين نصرت عليه أعداءه الخاسرين في الانتخابات، وأجبرته على مغادرة اللعبة السياسية وهو كظيم.
ولأن الضارة تكون نافعة في أحيان وظروف كثيرة فإن على أشقائنا العرب، وخصوصا أصحابَ الأموال الطائلة منهم، أن يسارعوا إلى التقاط هذه الاستدارة (العروبية) المفاجئة لدى جمهور واسع ومهم وفاعل من شيعة العراق، ويتخذوها عروة وثقى من أجل تعزيز جبهة الرفض الموحد للهيمنة الإيرانية على مفاصل الأمن والاستقرار في الإقليم والمنطقة، لحماية شعوبهم، وللتكفير عن أخطائهم السابقة الكثيرة التي ارتكبوها بحق أشقائهم العراقيين. فحين كانت الدلائل كلهُا، قبل 2003 بزمن طويل، تؤكد أن الغزو الأميركي للعراق آت لا ريب فيه، كانت جماهير عربية شقيقة واسعة تعارضه، وتدعو إلى التصدي له ومنعه، ولكن حكوماتها كانت ضالعة فيه، ومشاركة في التحضير له، بأموالها وجيوشها ومخابراتها وأراضيها، بشكل مباشر أو غير مباشر، كُرها بصدام حسين، وانتقاما منه، دون أن تدرك أن ما سوف يترتب على الغزو من عواقب وخيمة لا على العراق وحده، بل عليها أيضا، وبالتالي فإنها سوف تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية التاريخية عن الخراب الذي أحدثه الحرس الثوري وميليشياته في العراق والمنطقة.
فقد نَسيتْ أو أنساها حقدُها على صدام أن الغزو الأميركي المُتخادم مع إيران الخميني لا بد أن يقود العراق المكون من طوائف وقوميات وأديان وقبائل مختلفة إلى حروب أهلية طائفية وعنصرية لن تكون نارُها بردا وسلاما على الإقليم وعلى المنطقة كلها، بأي حال، وسوف يسهل على إيران احتلال العراق واتخاذَه قاعدة انطلاق لها لغزو سوريا ولبنان واليمن، وتهديد أمن دول الخليج العربية قبل غيرها، كما يحدث اليوم.غزو العراق وإهدائه لإيران من خدمة تاريخية كبرى لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وشعوب الدول العربية كافة بالإضافة إلى ما في غزو العراق وإهدائه لإيران من خدمة تاريخية كبرى لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني وشعوب الدول العربية كافة.
ومن أخطاء أشقائنا العرب في العراق أنهم كانوا يرون أحزاب إيران وميليشياتها تحتضن العسكريين الأميركيين، وتعمل، بتقية بالغة، من أجل السطو على حكم العراق، خطوة خطوة، بعد رحيل الجيوش الأميركية، ولم يفعلوا شيئا لمنع ذلك، رغم أنهم أكثر صداقة ومودة وتخادما مع الأميركان.أما أكبر أخطائهم فهي أنهم، وهم يرون النظام الإيراني، من أول ساعات الغزو الأميركي 2003، يُغلغل وكلاءه العراقيين في مفاصل الدولة العراقية المتهدمة، لم يبحثوا عن عراقيين وطنيين مخلصين صادقين من أصحاب الخلق والسمعة الحسنة، لموازنة القوى ومنازلة الميليشيات، بل التقطوا عراقيين طائفيين (سنة) من أسوأ العراقيين، مهربين، مزورين، منافقين، مهرجين، وأمروهم بمقاطعة العملية السياسية، ودفعوا بهم إلى مناطحة الجيوش الأميركية والميليشيات الإيرانية، ثم جعلوهم يورطون أبناء محافظاتهم بالاعتصام الشعبي في 25 ديسمبر – كانون الأول 2012، لتبدأ صفحة دامية من المواجهات المسلحة غير المتكافئة مع حكومة نوري المالكي وأحزاب البيت الشيعي الإيراني، وليولد تنظيم داعش في يونيو – حزيران من العام نفسه، ويسيطر على ثلث العراق.
الأمر الذي سهل على الحرس الثوري بقيادة القتيل قاسم سليماني استبدال احتلال داعش باحتلال الحشد الشعبي والفصائل المسلحة لجميع المناطق المحررة، وتهجير أهلها، وتغييب الآلاف من شبابها، وحكمها بقبضة من حديد، وما تزال يحكمها الحرس الثوري العراقي منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.طبعا ليس كل ما ينشر على مواقع الإنترنت يمكن اعتماده وتصديقه. ولكنْ في بعضه عبرة لمن يعتبر.فقد نُشرت تغريدةٌ نسبت إلى أستاذ بجامعة قطر، تحدث فيها عن مبالغ بمئات الملايين من الدولارات تبرع بها شيوخ قطريون للنازحين العراقيين السنّة، وذلك للمساعدة على فتح مدارس لأبنائهم، ومراكز عناية صحية واجتماعية، ثم سلمت تلك الأموال لواحد لكي ينفقها بالعدل والإنصاف على مستحقيها المعوزين، (واسمه مذكور في التغريدة المزعومة)، ليكتشفوا، لاحقا، أنه سرقها، ولم ينفق منها على اللاجئين إلا أذنَ جمل، أما الباقي فقد تحول إلى قصور ومزارع وشركات وخدم وحشم، وليشتري مناصب الحكومة بالمال ولكي يصبح واحدا من قادة العراق الإيراني الجديد.ودون هذه التغريدة فإن العراقيين يعرفون هذا القائد الحرامي ورفاقه في العمالة الذين صنعتهم الأموال الخليجية، ويحملون حكومات الأشقاء العرب، عمليا وواقعيا، جريرة كل ما فعله خدمها الذين جعلوا منهم زعماء بأبناء طائفتهم، وبشعبهم العراقي، وينتظرون منها أن تشمر عن سواعد مخابراتها وخزائنها، وترميهم في سلال المهملات، وتتحالف مع آخرين وطنيين شرفاء، شيعة وسنة، عربا وكردا، مسلمين ومسيحيين، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولتصحيح التاريخ، وتعديل الجغرافيا قبل فوات الأوان.