كتب .. شيرزاد شيخاني
لا نبالغ إذا قلنا بأنه منذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق تحولت كردستان والقيادة السياسية فيها الى ملاذ للقوى السياسية العراقية المتناحرة لحل مشكلاتها وأزماتها السياسية . فمنذ إنطلاق العملية السياسية في العراق الجديد كانت أربيل هي دائما الوسيط الأمثل لتقريب وجهات نظر القوى السياسية العراقية وسعت بكل جهدها لإحتواء العواصف السياسية التي تعصف بالبلاد ، وقد قامت القيادة الكردية بهذا الدور في الكثير من المناسبات وخصوصا في معضلة التشكيلات الحكومية ببغداد إنطلاقا من واجبها الوطني تجاه البلد .
وكانت القيادة السياسية الكردية موفقة لأداء هذا الدور الوطني من خلال موقفها الثابت بعدم الإصطفاف أو الإنحياز الى جانب أي قوة سياسية أو طائفية حرصا منها على التلاحم والتكاتف وإبعاد العملية السياسية من التناحرات والصراعات الحزبية . ومازال الكرد يشكلون قوة سياسية فاعلة في العراق بإعتبارهم جزءا من النسيج الوطني العراقي .
منذ عدة أِشهر يعاني شعب كردستان من تبعات أزمة سياسية حادة تعصف بالحزبين الحاكمين في الإقليم وهي أزمة خطيرة أثرت على الحياة المعيشية للمواطنين عامة ، وبالأخص فيما يتعلق بتوفير المستلزمات الضرورية للحياة ، ناهيك عن القلق الشعبي المتزايد من إنفلات الأمور وتعقيد الأوضاع المأزومة أصلا . فتجدد هذه الصراعات السياسية وإنعدام الثقة بين الطرفين الذين يقودان السلطة والحكومة بكردستان يعيد الى الأذهان تلك التجربة المريرة التي خاضها الحزبان في منتصف تسعينيات القرن الماضي وهي الإقتتال الداخلي البغيض . فهناك مشكلة سياسية وإدارية تكاد تعصف بالعملية السياسية برمتها في كردستان بسبب تفاقم الخلافات بين الحزبين وبالأخص فيما يتعلق بإدارة شؤون الحكومة وفقدان الخدمات الأساسية لبعض المناطق ، ناهيك عن الخلافات المحتدمة حول تعديل قانون الإنتخابات البرلمانية القادمة ومسألة كوتا المكونات التركمانية والمسيحية وغيرها من الإتهامات المتبادلة فيما يتعلق بالإستحواذ على الإيرادات المالية وعدم صرفها بعدالة على محافظات الإقليم .
لم تشهد كردستان منذ تشكيل كيانها الفيدرالي وقيام أول إدارة حكومية مشتركة مثل هذه الأزمة الخطيرة التي تنذر بكارثة محتملة أقلها تقسيم كردستان الى إدارتين منفصلتين . فعلى الرغم من وجود إتفاقات الشراكة بين الحزبين لقيادة حكومة الإقليم ، لكن الأمور وصلت في ظل الأزمة الحالية الى إنعدام كامل للثقة بينهما ، فالحملات الإعلامية تشتد بين الطرفين يوما بعد يوم حتى وصلت أخيرا الى إصدار بيانات رسمية بتوجيه الإتهامات بين فريقي العمل الحكومي سواء بالتقصير أوحتى الإتهام بالعداء الصريح للحكومة .
وعلى الرغم من دعوات المخلصين هنا لمعالجة الأزمة ، وبرغم القلق الشعبي المتزايد والتخوف من تطورها الى مالا يحمد عقباها ، لكن من خلال التصريحات المتشددة وإستمرار الحملة الإعلامية لايبدو في الأفق مؤشرات لتعجيل الحلول وإحتواء ألأزمة .
ومن هنا أتوجه الى القيادة العراقية وعلى سبيل رد الدين للمواقف الوطنية التي أدتها القيادة الكردية في المراحل السابقة بالتوسط بين القوى العراقية ، أن تتدخل هذه القيادة متمثلة بفخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء الإتحادي وكل القوى السياسية الخيرة سواء المنضوية تحت علم الإطار التنسيقي الحاكم أو خارج الإطار من القوى الوطنية لتقديم مبادرة وطنية وأن تقوم بوساطة حميدة فاعلة من أجل إحتواء هذا الصراع المحتدم بين الحزبين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني ، لأن القيادة السياسية العراقية كانت ومازالت تردد دائما بأن أمن وإستقرار كردستان هما جزء من أمن وإستقرار العراق .
ونحن نتوجه بهذا النداء الى النخبة الحاكمة في بغداد وبالأخص السلطة الحاكمة هناك نرى من واجبها الوطني أن تتقدم بهذه الخطوة الإيجابية من أجل إحتواء الصراع وإنهاء المشاكل القائمة بين الطرفين الرئيسيين في الإقليم .
كردستان في خطر فهل من مجيب ؟..