كتب .. علاء اللامي
مرة أخرى، يعيد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا تذكيرنا بخطورة بناء السدود التركية العملاقة في هذه المنطقة. وفي الوقت الذي نعبر فيه عن الحزن والأسف لوقوع هذه الكارثة ونعزي المتضررين وذوي القتلى والمصابين بهذا المصاب الأليم نكرر الدعوة إلى القيام بكل ماهو ضروري ولازم لتفادي كارثة أكبر مستقبلا وتفادي أو التقليل من آثار أية احتمالات ممكنة لانهيار السدود في هذه المنطقة الزلزالية النشطة... وبهذه المناسبة الحزينة أعيد هنا نشر الفصل الخامس عشر من كتابي "القيامة العراقية الآن .. كي لا تكون بلاد الرافدين بلا رافدين" والفصل بعنوان "احتمالات انهيار السدود التركية بفعل الزلازل وغيرها":
لم يعد انهيار السدود المائية، خصوصا تلك المنشأة في مناطق ذات نشاط زلزالي عالٍ، مجرد احتمالات قد تقع وقد لا تقع، بل أصبحت جزءا من الواقع الجغرافي والتاريخي القائم في عالم اليوم. لقد انهار سدّان في سوريا، وآخر يدعى "قنونا" في محافظة القنفذة في المملكة العربية السعودية، وسد آخر في المغرب. وإذا كانت هذه السدود من أحجام وخزانات مائية صغيرة أو متوسطة، فإنَّ سد الموصل، الذي كَثُرَ الكلام عن تأثّره بهزات أرضية متوسطة الشدة وقعت فعلا، أو لسبب جيولوجي يتعلق بنوعية الطبقة الحجرية الجبسية القابلة للذوبان في الماء التي أنشئ عليها واحتمال انهياره، إنّ هذا السد كان يستوعب أكثر من 11 مليار متر مكعب من المياه، جرى خفضها إلى ثمانية مليارات بسبب هذه المخاوف لتخفيف الضغط على جسم السد. وضمن علاقة سببية متبادلة، تكرر انهيار السدود بفعل الزلازل، ووقوع الزلازل بسبب انشاء السدود، كما تخبرنا دراسة علمية " جيوفيزياوية" موثقة سنتعرض لها بالتحليل بعد قليل في الولايات المتحدة والصين والهند ومصر بعد إنشاء السد العالي.
وفي تركيا ذاتها، والدول المجاورة لها كالعراق، تتصاعد التحذيرات من انهيار السدود التركية. وكنّا قد سجلنا في الفصلين السابع والتاسع من هذا الكتاب الواقعة الخطيرة التي اعترفت بها السلطات التركية ونقلها الإعلام هناك، حين امتلأت الخزانات والبحيرات الاصطناعية خلف السدود حتى أقصها في السنة الماضية 2011 (جراء الأمطار الغزيرة الهاطلة، ووصل منسوب المياه في سد أتاتورك أكبر السدود في تركيا إلى 537.31 متراً، هو أعلى منسوب له خلال الـ19 سنة الماضية. أما في سد كيبان الذي يعد أيضا من أكبر السدود التركية، فقد وصل منسوب مياهه إلى 844.61 متراً، وكان على المسؤولين الأتراك اللجوء لفتح بوابات الطوارئ والفيضانات لو ارتفعت مناسيب المياه بمقدار 35 سنتمترا آخر)[1]. وهذا يعني، أنَّ خطرا محدقا كان ستتسبب به السلطات التركية لو انهار هذا السد أو فتحت بوابات الفيضان لتصريف المناسيب العالية ما سيغرق مساحات واسعة من الشرق الوسط وخصوصاً من سوريا وشمال العراق وقد تصل آثار الفيضان إلى بغداد وما دونها.
جدل"زلزالي" في كردستان العراق:
و في شهر تشرين الأول /أكتوبر من السنة الماضية 2011 أيضا، أصدرت هيئة الأنواء الجوية العراقية تحذيرا خطيرا على لسان مديرها العام داود شاكر، قال فيه، إنَّ (الزلازل التي تحدث في جنوب شرق تركيا قد تؤدي إلى فيضانات وكوارث طبيعية، خاصة أنَّ تركيا تقوم حاليا ببناء سد على نهر دجلة)، مبيناً أنَّ (حدوث زلزال قوي في هذه المنطقة مع امتلاء السد بالمياه، سوف تؤدي إلى فيضانات وكوارث طبيعية قد تغمر إقليم كردستان بالكامل).
وأضاف شاكر أنَّ (مراصدنا الزلزالية ما زالت ترصد حدوث زلازل ارتدادية في الموصل ودهوك بسبب اصطدام الصفيحة "التكتونية" العربية بالصفيحة التركية)، مشيرا إلى أنَّ (الزلزال الأخير الذي حدث في مدينة وان التركية، والذي بلغ قوته 7.3 سبعة وثلاثة بالعشرة على مقياس ريختر، قد حدثت قبله هزات عديدة تراوحت بين ثلاثة إلى خمسة على مقياس ريختر). وأشار شاكر إلى أنَّ (الزلازل سوف تستمر في العراق وخاصة في منطقة شرق دجلة بسبب اصطدام "الصفائح التكتونية"[2] العربية والإيرانية والتركية)، لافتا إلى أنَّ (الخارطة الزلزالية للعراق توضح حدوث زلازل، وخاصة في المناطق الشرقية منه، والتي تصل إلى ما بين أربعة إلى ستة على مقياس ريختر).
وفي ذات الشهر، كانت هيئة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي في محافظة دهوك في إقليم كردستان العراق أعلنت، أنَّ هزة أرضية بقوة 6.6 درجة على مقياس ريختر ضربت مركز المحافظة، من دون أنْ تتسبب في حدوث أضرار، في حين قال الباحث الجيولوجي في جامعة دهوك رمضان حمزة، إنَّ الهزة الأرضية ناجمة عن تأثر المحافظة بزلزال ضرب ولاية "وان" جنوب شرق تركيا وكان بقوة (7.3) على مقياس ريختر.
كما شهدت محافظة السليمانية، في 19 من كانون الثاني الماضي، هزة أرضية بقوة 3.4 على مقياس ريختر ضربت المحافظة وضواحيها، فيما أفاد سكان المحافظة بأنهم شعروا بالهزة، وأنها أثارت الذعر بينهم.
وكان قضاء شهرزور بمحافظة السليمانية، قد تعرض فجر الـ 24 تشرين الثاني من العام الماضي، إلى هزة أرضية بلغت قوتها (3.2) درجة على مقياس ريختر المؤلف من تسع درجات، من دون أنْ تسفر هي الاخرى عن أي خسائر).
الرد الغريب والمحير على هذه التحذيرات الرسمية، جاء من جهات رسمية كردية، سفَّهت فيه هذه الأخبار والتحذيرات، ونفت احتمال وقوع أية كارثة. فقد قال مدير الأنواء الجوية في محافظة السليمانية دارا حسن إنَّ (التصريحات التي أدلى بها مدير الأنواء الجوية العراقية، حول غرق إقليم كوردستان بالكامل في حال استمرار الزلازل، وحدوث الزلزال الذي ضرب شمال شرق تركيا، وامتلاء السدود التركية بالمياه، مرفوضة جملة وتفصيلا؛ رغم أني لست خبيرا جيولوجيا، الزلازل لا يمكن التنبؤ بها"، معرباً عن أسفه عما بدر من السيد شاكر داود من تصريح بالقول انه ( لمن دواعي أسفي أنْ يصدر هذا الكلام من خبير بالجيولوجيا مثل الدكتور شاكر داود)[3]. أما الأكثر غرابة فهو التهديد الذي أطلقة المدير غير المتخصص في الجيولوجيا دارا حسن، ضد المدير الاتحادي المتخصص بالجيولوجيا داود شاكر، قائلاً إنَّ دائرته تنوي رفع شكوى ضد هذا الأخير ( لأنه لا يجوز له أنْ يزرع الهلع والخوف في نفوس المواطنين من خلال وسائل الاعلام). وأشار حسن إلى أنَّ ( من المحتمل أنْ يقصد مدير الانواء الجوية العراقي الطوفان الذي حدث في عهد النبي نوح!). مبينا ان كوردستان منطقة جبلية وليس بمقدور شيء أنْ يغرقها إلا الطوفان الذي حدث في عهد نوح، وهذا ما لا يعقل حدوثه. والواقع فإنَّ المسؤول الكردي يخلط بين أمرين لا علاقة لهما ببعض منطقياً، أي بين إمكانيات التنبؤ بحدوث الزلازل وهذا أمر لا يمكن - الآن على الأقل - القيام به عمليا، وبين احتمالات انهيار السدود التركية نتيجة وقوع زلازل وهزات أرضية في منطقة ناشطة زلزاليا. إنَّ أحدا لم يطالب السيد دارا حسن أو سواه أنْ يتنبأ بزمن حدوث الزلازل، ولكنَّ المطلوب منه، ومن جميع المسؤولين في الإقليم وفي العراق ككل، أَخْذَ هذا الاحتمال الكارثي بنظر الاعتبار، والتحسب لوقوعه، وإعداد العدة للقيام بكل ما هو ضروري، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتقليل الخسائر إلى الحد الأدنى.
إن المسؤول الكردي، دارا حسن، الذي يريد تقديم زميله الذي حذر من وقوع كارثة محتملة إلى المحاكمة بتهمة إثارة الذعر والرعب، عليه أنْ يفكر إذا – لا سامح الله – وقعت الكارثة، وغرقت بعض المدن الكردية والعراقية عموما، فماذا سيقول حينها لشعبه؟ هل سيقول: لقد أنقذناكم من الذعر والرعب الذي سببه لكم شاكر داود فسامحونا على موتكم غرقا بالطوفان التركي؟
أما قوله، بأن الفيضانات غير ممكنة لأنَّ الإقليم منطقة جبلية، فهو غير دقيق أيضاً، فهناك عشرات المدن في مناطق سهلية وتلولية في إقليم كردستان العراق. أما المناطق الجبلية الشاهقة جداً في الإقليم، فهي لا تتعدى الشريط الحدودي المحاذي للحدود الإيرانية والتركية وهي عشرة جبال تبدأ بجبل سنجار وتنتهي بجبل كورك، ثم أنَّ السدود التركية ذاتها مقامة في مناطق جبلية قد تكون أكثر ارتفاعا.
كلام أهل الاختصاص:
بمراجعة كلام الخبراء والمتخصصين، نجد أنَّ هناك الكثير من الأدلة والأسباب، التي تعطي لتحذيرات المسؤول العراق الاتحادي سنداً علمياً قويا، فقد ربط باحث عراقي آخر، متخصص في تغيرات المناخ وهايدروليكية المياه، وأستاذ جامعي في مدينة دهوك، هو رمضان حمزة، بين استمرار تركيا بإنشاء السدود وحجز مياه دجلة والفرات وروافدهما، وبين تعرضها للزلازل والهزات الأرضية. وقال حمزة في تصريحات للصحافة العراقية (من المعروف أنَّ حزام زاكروس طوروس يمر من تركيا، وهذه المنطقة هي جزء من منطقة تصادم الصفائح التكتونية الثلاث الصغيرة في المنطقة، والتي هي الصفائح العربية والتركية والأورانوسية، وهذه الصفائح الثلاث تلتقي في المنطقة، وبسبب التمدد في البحر الاحمر بحدود 2 سنتمتر لكل سنة، والتوسع في خليج عدن، فان ذلك يدفع بالصفيحة العربية إلى التصادم مع الصفيحة التركية وبالتالي دفع الصفيحة التكتونية باتجاه تركيا وايران، علما أنَّ نقطة الضعف الموجودة هي في حزام زاكروس طوروس)[4].
وأضاف الباحث، بما أنَّ (تركيا تقوم بإنشاء وتنفيذ مشاريع استثمارية وبناء سدود صغيرة وكبيرة، حيث لم تكتفي بالسدود على نهري دجلة والفرات، بل لجأت في الآونة الأخيرة إلى انشاء السدود الصغيرة على روافدهما مثل هيزل وخابور والزاب الاعلى)، مشيرا إلى أنَّ (هذه المشاريع أدَّت إلى تكوين بحيرات اصطناعية، والتي في حقيقتها تكوّن الهزات المجتثة، والأخيرة تساعد وتفعّل نقاط الضعف والتكسرات في الفوالق في المنطقة...و لمّا كان فالق الأناضول، الذي اتجاهه شرقي غربي يمر بالمنطقة، وكثرة الفوالق الثانوية بالمنطقة، مع وجود هذه المشاريع المائية وأعمال مشروع استخراج النفط التركي في منطقة "باطمان" القريبة من نفس المنطقة، كل هذه الأسباب تؤدي إلى زيادة فعاليات الفوالق والصدوع وبالتالي زيادة القوة "الضغط؟" على هذه الصخور مما يتسبب في حدوث زلازل ويؤثر في المنطقة بشكل اقليمي).
ولخص حمزة رأيه بالقول إنَّ (حجز مياه دجلة والفرات وروافدهما من الجانب التركي له علاقة بزيادة الزلازل، وأحياناً تكون له علاقة مباشرة جدا)، واستدرك قائلا (لكن هذه المرة لم يكن حجز المياه سببا مباشرا، وإنما كان أحد الأسباب التي دفعت هذه المنطقة إلى أن تكون معرضة إلى هزة بهذه القوة).