كتب .. ثامر الهيمص
مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية , اصدر كتابا متواضعا بحجمة كثيفا غزيرا في دراساته وهمه الوطني , ولعل موضوعاته تغني القارئ لوضوح الرؤى ’ في مواضيع سبعة متمنيا ان تطلع نخبنا الثقافية والسياسية عليه , خصوصا ما يتعلق بموضعنا اعلاه , اذ اعده ذوي الاختصاص وحاملي الهم العراقي.
فمشروعنا في الفاو الكبير مما يؤسف له ان يتزامن مع اقامة مشروع مبارك الكبير , وهذا التوقيت والتزامن انه يحمل تبعات تحديد الحدود العراقية الكويتية بموجب قرارات مجلس الامن الدولي ليأتي مكملا لها ومعززا للظروف الدولية والاقليمية التي تجاوزت تاريخ وسياقات رسم الحدود. لا شك ان مشروع مبارك الكبير وراءه الغرب وامريكا وادواتهم الاقليمية باجندة سياسية قصيرة النظر , اما مشروعنا في احسن الاحوال كعلاقات مصالح هي منظومة البرتكس التي تقودها الصين صاحبة مشروعنا. ولكن ينبغي فهم خطط الصين المتعلقة بالبنية الاساسية والاتصالات في الشرق الاوسط واسيا الوسطى في سياق الاستراتيجيات العالمية الاجمالية التي تنتجها الصين , تنشط هذه الستراتيجيات على مستويات متنوعة , احدها بروز اهتمام بالمحافظة على علاقات سالكة مع الولايات المتحدة مع الاقرار بأن مصالح الصين (الاقتصادية والسياسية) ستتضرر اذا وقعت مواجهة بينها وبين القوة العظمى الوحيدة في العالم. ولا يقتصر النظام الاخير على الولايات المتحدة وحلفائها , اذ يوجد كذلك شبكة مؤسسات (صندوق النقد الدولي, هيئات الامم المتحدة , البنك الدولي , وما الى ذلك) يمارس النفوذ وربما يتحكم بالتطورات العالمية من خلالها. (مجموعة باحثين /العلاقات العربية – الصينية / ص 188/ 2017 مركز دراسات الوحدة العربية).
هذه اجمالا الاطارات الدولية بما يتعلق بمشروعنا , اذ المشروعين (الفاو الكبير ومبارك الكبير) وراء كلا منها قوى دولية واقليمية مؤثرة ولا شك مع لوبيات ساندة في اوساطنا بطريقة او باخرى , ولكن الامل معقودا ان هناك توجها عربيا او خليجيا حصرا نحو الشرق ’ لعل ابرز تجلياتها هو اوبك بلص , المعزز بصادرات دول الخليج النفطية نحو الصين والهند لتتظافر المصالح الحيوية لدول الخليج , مخففة من ضغط الغرب واسرائيل عبر التطبيع او غيره من علاقات خارج السياق الدولي بعد اقرار حل الدولتين او المبادرة العربية.
تعد الصين الوطن العربي شريكا محوريا واستراتيجيا في مشروع بناء الطريق والحزام الجديد, حيث تقدم هذا الاخيركقناة لتسهيل التبادل التجاري والدفع نحو تنمية اقتصادية مشتركة. عموما ,حيث يتطلب هذا المشروع العملاق استغلال واستحداث , اليات تمويل واستثمار جديدة. وتوفر الصين ثلاث اليات اساسية للتمويل , هي: البنك الاسيوي للتنمية , بنك مجموعة بريكس وصندوق طريق الحرير , فضلا عن بنك الاستثمار الآسيوي في البنى التحتية الذي بادرت الصين الى تأسيسه في 2014 ورصدت له رأس مال بقيمة 50 مليار دولار ليتجاوز 100 مليار دولار بعد مساهمة بعض البلدان فيه يما في ذلك بلدان عربية (المصدر السابق ص226).
بالمقابل غربا وامريكيا ابرز ادواتهم عالميا وعربيا , هو صندوق النقد الدولي المالك الابرز من اسهمه هي الولايات المتحده واغلب دول حلف الناتو يليه البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية متظافرين بادوار متكاملة , مثلا في العراق فقد جربنا لعشرين سنة خلت لم نحصد غير الخيبات والتراجع بحيث لا تحتاج للتعرية كونها مكشوفة من خلال مخرجات بائسة , وكما قيل المجرب لا يجرب ’ ولا يلدغ (المؤمن) من جحر مرتين , وهكذا كل نشاطهم عربيا ودوليا. ان هدف القروض التي يقدمها صندوق النقد الدولي للبلدان الفقيرة ليس المساعدة في حل ما تعانيه من مشاكل اقتصادية ومالية كما يدعي وانما لجني الارباح والفوائد الخيالية , فشعار صندوق النقد الدولي (لا توجد وجبة مجانية) (د. عودت ناجي الحمداني/ صندوق النقد الدولي ودوره في تعميق ازمة الديون اخارجية للبلدان النامية (خصوصية ديون العراق) ص9/ 2014).
لا شك ان التعاون مع الصين له ثمنه السياسي والاقتصادي والاستراتيجي ’ عراقيا كوننا مقيدين بتحالف اطاري معلوم مع علاقة اقتصادية تمر عبر فلاتر صندوق النقد الدولي وما ورائه من سياسات امريكية لها علاقة ستراتيجية بامنهم وافقهم الاقتصادي ’ وهذه طبيعة الامور مع كل تحالف غير متوازن خصوصا مع الغرب ذو التراث الاستعماري الذي يرفض الاعتذار عنه رغم لوائح حقوق الانسان وادعائاتها. ولكن العلاقة مع الاقوياء الانداد مختلف. لا يمكن لاي بلد في العالم التخلي عن التعاون مع الصين. ولا حتى الولايات المتحدة ذاتها او الاتحاد الاوربي. ان احدى مفارقات العام 2020 هو انه برغم كل سيل التهم والشتائم التي وجهها السياسيون الامريكييون للصين الا ان صادرات الصين للولايات المتحدة ارتفعت في ذلك العام , كما ان رئيس هيئة الاركان المشتركة للقوات المسلحة الامريكية مارك ميللي ابلغ الكونجرس في جلسة استماع في شهر مارس الماضي ان 97% من جميع الادوية او المواد الداخلة في الادوية واللقاحات والمضادات الحيوية للجيش الامريكي تأتي من الصين. (الاستاذ حسين العسكري /محلل اقتصادي واستراتيجي , عضو مؤسس لمعهد الحزام والطريق في السويد/ مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية/ ص79 /2020) من اصدأرات المركز. وهناك طريفة امريكية تقول (كل شئ في بيتي صيني ما عدى زوجتي).
بالاضافة لما تقدم هناك حواجز ساندة لمشروع مبارك الكبير وهي ميناء جبل علي وقناة السويس ومشروع لفتح قناة من الخليج الى البحر الاحمر , ولكن يبقى مشروع الفاو الكبير الاكثر جدوى اقتصادية حيث يكون الاقصر نحو البر الاوروبي ليفرض نفسه اخيرا كجزء اساس من الحزام ومستلزمات التجارة الدولية , وبما ان الحزام والطريق ومشروع الفاو الكبير المقترن به حيث الصين هي معمل العالم وتاجره الاكبر باتت موضوعيا رجاحته على المشاريع المضادة , لعل ابرزها هو بشكل دقيق هو صفقة القرن. ان ميناء الفاو سوف يغير الاوضاع في المنطقة. ولهذا فالبلدان المتضررة من مشروع الفاو اتجهت للانظمام الى صفقة القرن. لافشال هذا المشروع. ويحاولون ايضا عرقلة طريق الحرير. فالمعرقلون لميناء الفاو هم الذين يدعمون صفقة القرن علنا. (المصدر السابق ص 94). هذا اقليميا , نلمسه واضحا عندنا في الخلاف بين انصار شركة دايو الكورية الجنوبية والشركة الصينية.
ولكن اكد السيد رئيس الوزراء في كلمته في القمة العربية الصينية: نتطلع لتعزيز الشراكة ضمن مبادرة (الحزام والطريق) فيما بين ان منطقتنا هي قلب العالم وان العراق مركز هذه المنطقة تاريخيا وثقافيا. (جريدة الصباح ليوم 10/12/2022). هذا ليس مجرد موقف رسمي كما نتمنى وهو ايضا موقفا شعبيا حيث لا افق للمشروع المضاد اي مشروع التطبيع او صفقته , الذي يمضي من خلال شركة دايو الكورية الجنوبية , بينما القناة الجافة بين الفاو والبر الاوربي. من المتوقع ان يوفر مشروعنا 70الف فرصة عمل بالاضافة للميزات التقنية والمالية مقارنة بمشروع دايو الاقل جودة من ناحية السعه والكلفة والنتائج المضافة. ونستنتج من ذلك , انه لا بديل لدول الخليج وايران في نقل بضائعها الى دول اسيا واوربا الا عبر الموانئ العراقية ,؟ عن طريق القناة الجافة التي هي عبارة عن خط سكك حديدية , تمتد من ميناء الفاو الى الحدود السورية بطول 1120 كم وتخترق الحدود السورية لتصل الى المنفذالحدودي التركي (في منطقة نصيبين) مع سوريا بطول 83كم ثم يرتبط هذا الخط مع الشبكة العالمية للسكك الحديدية , داخل الاراضي التركية. (مركز بغداد /مصدر سابق ص92).
هنا نسائل انصار صفقة القرن الم تكن القناة الجافة وملحقاتها الاستراتيجية والاقتصادية ممرا تنمويا لصالح الاجيال ومعززا لمركزنا الاقليمي امام جيراننا العرب وغيرهم بحيث يحتاجنا كلا منهم كمركز ناقل وتجاري كبير؟ , ويفتح لنا افاق ملف المياه كمعادل نوعي من حيث الاهمية وكورقة فاعلة بيد المفاوض العراقي ليسعى اغلبهم بالربط السككي او البحري او البري لنقل صادراتهم ووارداتهم , وسوف يكون ملف المياه بعد الزلزال الاخير وافراغ السدود الخزانات التركية لتلافي مزيدا من الضرر كمنطقة هشه وحسب معلومات ان اسرائيل كانت داعما فنيا واقتصاديا لانشاء سدي اتاتورك واليسو وملحقاتهم.
فقط بالبناء ذو البعد الستراتيجي الاقتصادي نقف على اقدامنا ’ بخفض ريعية النفط وهيمنتة كخام وليس مصنعا , وبتجارة دولية تعود اثمان لوجستياتها لنا كمركز رقم واحد في الشرق الاوسط , وبما ان الصين تتلكأ احيانا فالسبب الاساس هو الفساد الداعم لاعداء المستقبل العراقي.