كتب .. امجد طليع
البطولات الرياضية والمهرجانات الفنية والمؤتمرات العالمية مثل كاس العالم والاولمبياد والاكسبو وغيرها تتنافس دول العالم على استضافتها وتقدم ملفات معدة باعلى المستويات يرافقها تشكيل مؤسسات ولجان خاصة تشرف على التنافس والتنظيم، وتحرك الدول علاقاتها الدباوماسية وتستعين بخبرات عالمية للظفر باستضافة احدى تلك الفعاليات الجماهيرية.. كل ذلك سببه هدف واحد يتمثل في تحقيق (الارباح المالية)كمكسب لتلك الاستضافة فضلا عن الحصول على فرصة للترويج السياحي والثقافي لهذا للبلد المضييف باقل التكاليف.. ولهذه الارباح مجموعة مصادر الا ان المصدر الابرز هو الجمهور الزائر الذي يقصد الفنادق للمبيت والمصارف لاستبدال العملة والمطاعم للاكل والمدن السياحية للترفيه وغيرها من الامور التي تستنزف ما جاء محمل به السائح الرياضي من اموال كاش او مخبئة بالكردت كارت.
ولذلك لا تخضع هذه الاستضافات الى امزجة شعبية او عنتكة استعراضية فيسبوكية او هلوسة اجتماعية تصنعها ماكنة اعلامية غير مهنية وخطاب سياسي متخلف وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تدور في فلك التفاهة.
هذه الاستضافات تخضع لخطة تضعها الدولة وفق دراسة متقنة ومرسومة المسارات ومحددة الاهداف ومعلومة النتائج (الارباح+الاضرار).. وعليه يبقى المواطن صاحب البلد المضيف يدور في فلك هذه الخطة ويلعب دوره الثقافي في ان يعكس صورة معينة عن بلده ويبقى يقدم المساعدة في حدودها الانساني الملح ولا يكون سببا في انحراف الاهداف وتحويل البطولة من مكسب الى استنزاف في عملية استعراضية وصلت في بعض الاحيان الى مرحلة الاذلال او استجداء الرضا.
اسوق مقدمته هذا وانا اتحدث عن بطولة خليجي 25 التي اقيمت بالبصرة مؤخرا والتي جاءت بعد بضعة اسابيع من ختام بطولة كأس العالم في قطر التي ضيفت جماهير كروية من قارات الارض السبع بطريقة منظمة حضارية لم يظهر بها الشعب القطري (وحش الشاشة) وانما ظهرت قطر دولة حديثة بمجتمع راقي معتز بارثه الثقافي وعاداته وتقاليده وحبه لمتبنياته الدينية والقومية وقدم الاعلام الاسلامي والعربي قطر على انها تمثل واجهة لهذين المتبنيين.
لكن ماذا قدمت خليجي 25 في البصرة ؟
الجواب : شعب كريم !
وماذا بعد
يقول الصحفي العراقي المقيم في امريكا رياض محمد ان ارباح البصرة من بطولة خليجي 25 المفروض تكون 300 مليون دولار امام اعداد الداخلين للبصرة من دول الخليج او المحافظات العراقية الاخرى خلال ايام البطولة
لكن اعتقد ان ما حصل هو خسائر البصرة ربما فاقت هذا الرقم وهي محافظة تعاني من ازمات خدمية واقتصادية ووضع صحي خانق وجيوش من الشباب العاطلين الذين ما انفكوا عن التظاهر مطالبين بفرص عمل وحياة كريمة..
ما جرى بالبصرة يخضع لقاعدتين لابد ان التفريق بينهما في مسارات بناء الدولة وجني الارباح وتاسيس مجتمع طموح يبحث عن ذاته ويحقق ابناءه اهدافهم، القاعدة الاولى قاعدة العقل والمنفعة وهذا الذي كان يجب ان يسود من خلال حوكمة البطولة وتوظيف كل ما يمكن توظيفة لاستقبال الجماهير والمنتخبات ووسائل الاعلام وتحقيق الارباح المادية من قبل المؤسسات والشركات والافراد، من خلال اعتماد نظام اداري رقمي معين وان كان مؤقتا يستخزم ايضا بالترويج للبصرة على انها ارض واعدة استثماريا وسياحيا وامنة لمن يرغب للاقامة فيها وذلك من خلال توظيف طيبة اهلها بطريقة عقلانية مقنعة للمتلقي يمكنه من خلالها ان يوازن بين وجود الدولة الحامية للافراد بقوانينها ومؤسساتها وايضا المجتمع الطيب المنفتح على الاخر بعيدا عن العنصرية والكراهية، وهذا للاسف لم يتحقق امام المد الشعبوي الذي حصل ولم ينجو منه سوى الصاغة وباعة الذهب الذين لم يكن بمقدورهم ان يقدموا بضاعتهم هدايا للزائرين بسبب غلاء اسعارها.
وهذه تاتي استمرار لما يحصل في المناسبات الدينية عندما يخرج فقراء العراق قبل اغنياءه لتوفير كل ما بحتاجه السائح الديني مجانا في حين كان ممكن استثمار هذه المناسبات كفرص عمل مؤته يمكن ان تساعد الكثير من العاطلين في الحصول على المال كما انها رافد مالي مهم لبلد يعاني اقتصاده الامرين وديونه الخارجية تقارب ناتجه المحلي الاجمالي او ربما فاقته الامر الذي يضعه في ادنى مستويات التصنيفات الدولية الاقتصادية.
القاعدة الثانية
قاعدة الضغط العاطفي وهذه القاعدة من تحكمت بادارة البطولة وسير احداثها حيث اندفع المجتمع البصري وبخديعة اعلامية عاطفية انتجت مهزلة كرم كبرى غيبت العقل وسيد العاطفة بعد نبش بسيطة للذاكرة البصرية الهدف من ذلك كله تغطية الخواء الذي تعيشه المدينة وهي مدينة مغبرة بسبب انعدام التبليط وملحاء بسبب تراجع الزراعة ومتخسفة بسبب تهالك الخدمات وقدم بناياتها وتراجع المستوى المعيشي فيها رغم انها من اغنى مدن العالم بالثروات الطبيعية، وظفت هذه القاعدة للتغطية على فشل النظام السياسي الغارق بالفساد والمعزول عن المجتمع الدولي والمنخرط بمحاور سبق للنظام البائد ان خاض بها واغرق البلد بمغامراته البلهاء.
وللتغطية عن حكومة محلية تعيش الفشل وتشتره وتكرره كل عام باستهلاك موازنات المحافظة بلا لاشيء حتى انها صرفت مليارات الدنانير على جدار يعزل ملاعب البصرة عن عشوائياتها في وقت كانت ممكن فيه ان تستخدم تلك المبالغ وفرصة اقامة البطولة للقضاء على تلك العشوائيات ومقايضة خراباتها بالاموال ودعم ساكينها للانتقال لاماكن اخرى صالحة للسكن او تقديمها كفروض لهؤلاء ليطوروا العشوائيات ويحولونها الى مدن رسمبة بما انها باتت امر واقع.
استخدمت عاطفة البصريين بدهاء نقف عاجزين عن وصفه بعد ان حصر زاوية نظر الاعلام بتفصيلة اسمها كرم البصريين لمدة اسبوعين حتى ان الكاميرات لم تعد تلتقط اي مظهر من مظاهر دمار المحافظة، تجول الاعلام العربي والاجنبي في البصرة اكثر مدن العالم تناقضا كونها الاغنى والافقر في الوقت ذاته لكنه اي الاعلام لم يلتقط تلك الصورة، المخفي خلف اطارها ضحايا الفقر وتردي الخدمات والتلوث البيئي وتداعياته السرطانية على اجساد الاطفال.
تحت عنوان كرم البصريين مرة البطولة بسلام ونجاح شعبي وليس تنظيمي، فيما فشلت الدولة في تحويلها الى مكسب اقتصادي اني او بعيد المدى يمكن ان يقدم للبصرة ما يساعدها على التنمية وتكرار هذه المناسبات.
ولا استبعد سماع معترض على ما كتبت بحجة ان البطولة اعادة العراق الى حضنه العربي..
فانا لست ساذجا حتى لا اعرف ان العرب يعرفون اكثر من العراقيين انفسهم بان عرب العراق من سنته وشيعته لا يتخلون عن انتمائهم القومي ويعون اهميتهم بالنسبة للدول والمجتمعات العربية..
كما يعلمون بالضبط ان هناك تيار في العراق يملك النفوذ والاعلام سيعيق اي تقارب عربي مع العراق يتجاوز مرحلة التقارب الاجتماعي وربما حتى مسالة التقارب الاجتماعي سيجهضها مادام هذا الطرف يشعر انها خطر يهدد مصالحه.