الصفحة الرئيسية / الفقر في بلد "الذهب الأسود" .. إجراءات مكّوكية لاحتواء رقعة متّسعة

الفقر في بلد "الذهب الأسود" .. إجراءات مكّوكية لاحتواء رقعة متّسعة

حسن الشنون


لا يملكون حيلًا للبقاء على قيد الحياة، في بلد الذهب الأسود، غير نبش مكبات القمامة على مقربة من معامل الطابوق المطلة على ضاحية النهروان شرقي العاصمة بغداد، التي يبلغ تعداد سكانها أكثر من 150 الف نسمة.


عشرات الأطفال والنساء يبدأون يومهم حاملين على ظهورهم اكياسًا بلاستيكية بحثا عما ينفعهم من الورق المقوّى والقطع المعدنية والحديد وما يمكن بيعه لتجارة الخردة لإعادة تصنيعه وكسب لقمة العيش، وسط ارتفاع في أسعار السلع والبضائع التي تمس حياة العراقيين اليومية بسبب تذبذب أسعار صرف الدولار أمام الدينار العراقي، وغياب الخطط الاستراتيجية لمكافحة الفقر.


"ضيق المعيشة وقلة ذات اليد أرغم الكثير من سكان النهروان على دفع أبنائهم لاحتراف مهنة البحث في أكوام القمامة أو العمل تحت ألسنة نار معامل الطابوق، دون توفر أدنى متطلبات السلامة، لعلهم يجدون فيها ما يطفئ نار جوعهم، بعرق جبينهم أو ما تيسر من المحسنين، وهم يصارعون البقاء في بيوت هشة ورثة تتقزم فيها أحلام الكثير من الأطفال والنساء، وتخفي مأساة مُريعة لعوائل يطاردها الجوع وشبح الأمراض.  


علياء عبد الأمير، بسنواتها الثلاثين، التي تعيش المأساة بعينها، تقول وهي تبحث في القمامة وسط الأطفال والرجال: "أكون محظوظة أن استطعت جمع أكثر من 10 الاف دينار أي ما يعادل 7 دولارات في اليوم، لذا أن تكون في هذه الحالة أمر مروع".


الفتاة البغدادية التي لم تتعلم القراءة والكتابة، تنتابها "حالة من القلق والخوف على مصير أبنائها الثلاثة الذين مازالوا يرتادون المدرسة، وسط تقاسم شقاء الحياة مع زوجها الذي يعمل أيضا في القمامة لإعالة أطفالهم وإكمال تعليمهم".


وكشفت وزارة التخطيط في العام 2020، ضمن مؤشرات الإحصاءات البيئية للعراق، وجود 220 موقعًا للطمر الصحي غالبيتها غير حاصلة على الموافقات البيئية.


وعلى الرغم مما ورد في البرنامج الحكومي لرئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، والخطط التنموية التي اطلقتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لمكافحة الفقر وتوفير أساسيات الحياة لهم، يشعر الفقراء بأنهم منسيون، بالتالي تبقى الفتاة علياء مجرد مثالٍ لالاف المواطنين الذين يحتاجون إلى مساعدة عاجلة.


ووسط ترقبً حذر لما قد تحمله تلك الخطط والبرامج للعراقيين من إجراءات إيجابية تمس حياتهم اليومية، أعلن وزير العمل أحمد الأسدي مطلع آذار 2023، اطلاق حملة بحث مكثفة في مناطق الطمر الصحي ومعامل الطابوق شرقي بغداد، بالإضافة إلى مناطق المخيمات والعشوائيات في قضاء العامرية، لتسجيل الفقراء وتحسين واقعهم المعيشي من خلال رؤى واستراتيجيات ثابتة، ضمن خطة المسح الميداني الذي اطلقت في كانون الثاني 2023، لتحديد المناطق الأشد فقراً في البلاد والتي تستهدف مليونا و700 ألف طلب.


وأثناء زيارته إلى أهوار الناصرية، أعلن الأسدي، شمول كل العوائل الموجودة في قرى وأرياف مناطق الأهوار ونواحيها بمظلة الحماية الاجتماعية، خصوصاً أصحاب الجاموس والصيادين الذين توقفت سبل عيشهم نتيجة جفاف المياه.


وتطمح الوزارة لتوسيع قاعدة المستفيدين من المعونات المالية التي تعطى في الوقت الحالي لأكثر من 3 ملايين عراقي، في محاولة منها لتحجيم الفقر، حيث فتحت باب التقديم على الاستمارة الالكترونية لـ8 فئات مشمولة بقانون هيئة الحماية الاجتماعية، واستقبلت في الأسابيع الأولى قرابة 600 الف طلب للشمول براتب المعين المتفرغ.


تداعيات جائحة كورونا التي ضربت البلاد في عام 2020، ساهمت في ارتفاع أعداد الفقراء التي وصلت إلى 11 مليونا و400 ألف فرد، بعدما كان قبل الأزمة حوالي 10 ملايين فرد، كما أن نسبة الفقر ارتفعت إلى 31.7 في المائة، والتي كانت 20 في المائة في عام 2018، بحسب تصريح وزير التخطيط السابق خالد بتال.


الفساد بوابة الجحيم


يقول الكثير من العراقيين إنهم يدفعون ثمن فساد استشرى في البلاد على مدى سنين طويلة، وهذا ما يؤكده الخبير الاقتصادي صفوان قصي.


قصي يقول إن "نسبة الفقر تقترب من 30% بالتالي هناك قرابة 10 مليون عراقي يكابدون جحيم الفقر"، مؤكدًا أن "معدلات الفقر الحالية ناجمة عن تراكمات مزمنة، نتيجة تبدد الثروات وضعف الخطط التنموية وتفشي الفساد".

والحال بحسب الخبير، ليس فقط في زيادة التخصيصات المالية للفقراء، وانما في مساعدة تلك الأسر في تحسين مستواهم التعليمي والصحي مما سينعكس ايجابًا على مستواهم المعيشي.


"تقع على عاتق الحكومة مسؤولية تحسين المستوى العام للمعيشة في البلاد وكذلك تهيئة بيئة مواتية للمواطنين من أجل الازدهار"، بحسب صفوان الذي يعتقد أن "دعم المنتوج المحلي تنوع مفردات البطاقة التموينية وزيادتها سيسهم في تخفيف عبء الحياة عن تلك العوائل".


وشدد على ضرورة "إعادة النظر في رواتب بعض الشرائح التي تضررت من تقلبات صرف سعر الدولار أمام الدينار العراقي وكذلك زيادة منح الرعاية الاجتماعية".


ما ذهب إليه الخبير الاقتصادي، يؤكده وزير العمل والشؤون الاجتماعية، الذي يقول إن "زيادة سقف إعانة الحماية الاجتماعية سيكون حال إقرار الموازنة العامة للبلد لعام 2023"، مؤكدًا أن "محافظة السماوة هي الأعلى بنسب الفقر التي تصل إلى 52%".


وبخصوص السلة الغذائية، أشار الوزير إلى أن "مستفيدي الحماية الاجتماعية سيتم منحهم سلة غذائية اضافية ولمدة 12 شهراً".


قانون الموازنة بحسب رئيس مجلس الوزراء محمد السوداني، يتضمن منح إعانات نقدية إضافية ستوزع لأسر الفقراء لإكمال أبنائهم الدراسة في المدارس والكليات من غير الرواتب المقررة"، مبينا أن "تلك الإجراءات تأتي لمواجهة الفقر بأكثر من بعد (المعيشي والدخل والغذاء والتعليم)، فضلا عن تقديم الخدمات في المناطق الفقيرة".


الاقتصاد الريعي


سياسيًا العراق جعل من النفط كل شيء حي، فيما يرد عضو مجلس النواب عامر الفايز، قائلًا :"ليس بالنفط وحده يحيى الإنسان".


ويعتقد الفايز أن "ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في البلاد سببه الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي مر بها البلاد طوال السنين الماضية"، مؤكدًا أن "أهم تلك الاسباب هو الاقتصاد الريعي الذي عطل الصناعة والزراعة وهو ما يصعب مهمة الحكومة في محاربة الفقر".


عضو البرلمان، يرهن نجاح المبادرات والمعالجات الحكومية، واختلافها عن سابقاتها، بـ"تهيئة بيئة أمنة ومناسبة للاستثمار أمام الشركات العربية والعالمية، فضلًا عن توفير مجمعات سكنية واطئة الكلفة وبمناطق مخدومة".

"سيؤدي الفشل في حل هذه القضايا ومعالجة فجوة تنفيذ السياسات إلى إعاقة التقدم المطلوب بشدة في الحد من عدم المساواة ومعالجة الفقر"، حسبما يقول الفايز.


في 31 كانون الثاني 2023، أعلن السوداني في مقابلة متلفزة، أن مشاريع السكن سيكون للفقراء النصيب الأكبر فيها، مبينًا أن "حل أزمة السكن يكمن ببناء مدن متكاملة وفق وضع اقتصادي طويل الأمد لن يرهق المواطن في التسديد، وسيمنح لفئات مجانا ولفئات اخرى بتقسيط الأموال على مدى زمني بحيث يستلم المواطن وحدة سكنية في مدينة تحتوي على خدمات لائقة".


خطط فاشلة


الانهيار الاقتصادي الذي شهده البلاد، والحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، ظروف طارئة فاقمت من ضائقة سكان البلاد الذين بات غالبيتهم عاطلين عن العمل في ظل أوضاع معيشية صعبة زادها سوءًا موجة الغلاء التي طالت أسعار السلع الأساسية سيما الغذاء، وفقًا لعضو لجنة العمل البرلمانية أمير المعموري.


انعدام الرؤية وغياب الخطط الاستراتيجية للحكومات السابقة، للأسف الشديد حسبما يقول المعموري، "فاقم من معدلات البطالة ونسب الفقر في البلاد"، مبينًا أن "نسبة الفقر في العام 2022 وصلت إلى ما يقارب 31% وهو أمر يثير الكثير من علامات الاستفهام عن الخطط والاستراتيجيات التي كانت موضوعة لمكافحة الفقر".


المعموري يقول إن "السلطة التشريعية تراقب عن كثب عمل الحكومة في تطبيق البرامج الخاصة بمواجهة الفقر والبطالة وتقديم المعونات الأساسية لهم".


وبشأن البرنامج الاستراتيجي للحكومة الحالية في مكافحة الفقر، يقول المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، إن "المسح الشامل للعوائل الفقيرة سيستمر لمدة 12 شهرًا وسيشمل جميع المحافظات العراقية لمتابعة واقع تلك العوائل من حيث الخدمات والانفاق".


الهنداوي يوضح أن "المسح سيعطينا أرقام دقيقة عن خط الفقر وكذلك نسب الفقر في البلاد ومراكز توزيعهم في المدن والمناطق وخدمات التعليم والصحة والسكن"، مؤكدًا أن "تحديد هذه النسب سيسهم في وضع الحلول والمعالجات لواقع تلك العوائل".


الحال، قد لا يكون منصفًا إسقاط كل طلاسم لغز الفقر على حكومة السوداني، التي ورثت كما يقول مؤيديها ظروفًا استثنائية عمرها عقدين، بالتالي يبقى السؤال الأهم لماذا العراق يعاني الفقر رغم الثروات الهائلة التي ينعم بها التي يمكن أن تجعله في مصاف الدول الأغنى بالعالم؟

5-03-2023, 12:19
العودة للخلف