علاء كولي
بخطى متثاقلة يحرص كريم أبو حاتم (53 عاما) على الوصول إلى عمله في الوقت المحدد في أحد معامل الطابوق بقضاء الإصلاح أقصى شرق الناصرية.
أبو حاتم كما يعرفه الجميع، يعيش في قرية بسيطة قريبة من معامل الطابوق، ويعمل هناك منذ أكثر من 20 عاما.
من قريته التي تفتقر للخدمات والبنى التحتية، ينطلق أبو حاتم يوميا بوقت مبكر مع فريقه المكون من 25 شخصا رجالا ونساء وهؤلاء يسمون بـ"النگالة" الذين ينقلون الطابوق يرافقونه في حله وترحاله بالعمل والانتقال من معمل لآخر بحسب ما تحتاجه المعامل من إنجاز كميات كبيرة من الطابوق.
مهمة فريق أبو حاتم ثابتة، وهي نقل الطابوق من البداية وحتى النهاية أي الى داخل الافران ومن ثم العودة لنقله مرة أخرى، حيث يبدأ العمل عند الساعة 2 فجرا وحتى 9 صباحا ويكون قد أنجز حينها بحدود 50 الف طابوقة، وهذا العمل يقوم به الفريق الخاص بنقل الطابوق بشكل مستمر.
يقول أبو حاتم لـ"ميل": "مع كل ما نقدمه من جهد كبير، لكن تبقى الاجور بسيطة للغاية حيث أنها تكون اسبوعيا بحدود 100 الف دينار لكل عامل من الفريق أي بمعدل 15 الف دينار يومياً لكل منهم"، مستدركاً: "وليست لدينا ضمانات صحية أو ضمانات على الحياة".
ويضيف: "حاولنا ان نكون ضمن المسجلين بالضمان الصحي ولكن دون فائدة، فأصحاب المعامل لا يرغبون بذلك، كما أن فريقنا قدم الكثير من الخسائر والمخاطر بسبب الة القص التي تقطع الطابوق. أحيانا تقطع اصبع أو يد أو قدم احد العمال خلال عملهم وهذه الحوادث واردة في العمل إضافة لتعرضنا دائما الى الدخان والكثير منا يعانون من مشاكل تنفسية".
لكن رغم ذلك، يقول أبو حاتم: "اعتدنا العمل ولدينا خبرة كبيرة بهذا المجال ومن دوننا لا يمكن للمعمل أن ينتج طابوقة واحدة. نحن عصب مهم في إحياء تلك المعامل، لكن كل مانريده هو أن نحصل على حقوقنا على أفضل وجه".
وعادة ما يتم إنشاء معمل على مساحة تقترب من 70 دونماً من الأرض وبكلفة ما بين 800 الى 900 مليون دينار عراقي. وبحسب الضوابط لا يتم انشاء معمل في أي مكان، حيث أن البيئة ودائرة المسح الجيولوجي هي من تحدد المكان المناسب لانشاء المعمل.
وتمر عملية صناعة الطابوق بمراحل عدة وكل مرحلة تشرف عليها مجموعة من العمال، الفريق الأول متخصص بالنقل يسمى محلياً "النگالة" والثاني يسمى "الشاعول" وهو من يقوم بإشعال الافران لادخال المادة الاولية كي تخرج طابوقا، وفريقاً آخر يقوم بالتنشيف ومن ثم تأتي مجموعة أخرى مهمتها نقل الطابوق الى السيارات، وأجور كل جماعة يختلف عن الأخرى بحسب نوعية الجهد.
معاناة أصحاب المعامل
يقول مسلم مخور وهو صاحب معمل طابوق، إن "امتلاك معمل للطابوق لا يعني أن الحياة تسير بشكل مناسب، هناك مشاكل وعراقيل كثيرة نواجهها نحن أصحاب المعامل بدءا من مراجعة مؤسسات الدولة والموافقات الرسمية وليس انتهاء بمشاكل العمال الاعتيادية التي تحدث".
منذ البداية وقبل 20 عاما كما يقول مخور: "لم نتحكم بوضع أساس المعمل. دائرة المسح الجيولوجي هي من حددت المكان والتربة التي تكون جيدة مقارنة بالأماكن الأخرى، بعدها الدولة تبدأ بإعطاء مساحات كبيرة من الأرض لانشاء معامل للطابوق".
"واحدة من مشاكلنا المستمرة هي عدم حصولنا على مادة الكاز"، كما يقول مخور، ويضيف: "الدولة لا تعطي لنا حصة من الكاز حيث نحتاجه في تشغيل المولدات أو الاليات الكبيرة التي تعمل داخل المعمل، وهناك حصة من النفط الأسود وهي تكفي لسد الاحتياج بتشغيل الافران لكن التكاليف التي نعانيها هي مع الكاز".
بالعام 2009 خصصت الحكومة حصة من الكاز الى جانب حصة النفط الأسود، بحسب مخور، الذي يردف قائلاً: "فقد كانت الحصة 10 الاف لتر كاز لكنها تكفينا لعشرة أيام فقط، الا أنها انقطعت فيما بعد وبقينا نحصل على الكاز من السوق السوداء".
تسجيل العاملين
يقول مسؤول نقابة العمال في ذي قار هشام العبادي لـ"ميل"، إن "التسجيل في نقابة العمال بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص سواء في معامل الطابوق او غيرها هو ضروري وهو يحافظ على حقوقهم، والتسجيل يعني ان النقابة تتولى حماية العامل من الناحية القانونية فيما لو تعرض الى مشاكل أو تعرض الى مخاطر أو حوادث بالعمل".
ويوضح أن "وجودهم كمسجلين في النقابة يعني انه يتم توفير الحماية لهم وكذلك يوفر لهم ضمانا صحيا واجتماعيا، لكن ما يحصل أن هناك استغلالا من قبل بعض أصحاب المعامل لضعف العامل ليكون وضعه بهذا الشكل".
يضيف العبادي: "هناك مخالفات قانونية كبيرة يتم تشخيصها بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص منها ساعات العمل الإضافية دون زيادة بالأجور وهذا يدخل ضمن الأعمال الجبرية، إضافة لعمالة الأطفال وهي ممنوعة وعمالة النساء أيضا، هناك زيارات ميدانية من قبل النقابة لمتابعة مشاريع القطاع الخاص ومنها معامل الطابوق".
وفي السياق يؤكد علي محمود حيث تدير عائلته احد معامل الطابوق، لـ"ميل"، أن "معوقات العمل في معامل الطابوق أكثر من عناصر نجاحه، وهي تتعلق بدءا بأسعار النفط الذي يحصلون عليه والضمان الاجتماعي حيث أن غالبية العمال مسجلين بالضمان إذ يستقطع ذلك من أموال المعمل".
ويزيد في القول: "مع كل ذلك يتم بيع الطابوق بشكل رخيص مقارنة بالجهد الكبير الذي يتم تقديمه لذلك أغلب المعامل تتوقف بين الحين والأخر، إضافة للضرائب الكبيرة المفروضة علينا والنهوات العشائرية المستمرة مما يسبب تكدس بالعاطلين من الشباب".
رقابة صارمة
يقول مدير بيئة ذي قار كريم هاني إن "المحافظة يوجد فيها 68 معملا للطابوق تقريبا، موزعة على عدد من الأقضية ونواحي المحافظة وتخضع هذه المعامل جميعها الى الرقابة البيئية من قبل بيئة ذي قار".
بعض هذه المعامل غير ملتزمة بالمتطلبات البيئية، كما يوضح كريم خلال حديثه لـ"ميل، وبذلك يكون لها "أثر على البيئة أو المنطقة المحيطة بالمعمل"، مبيناً أن "مديرية البيئة اتخذت عدداً من الاجراءات القانونية بحق المخالفين من أصحاب المعامل".
يضيف هاني أنه "يوجد في وزارة البيئة محددات موقعية ومتطلبات بيئية وعلى أساس هذه المحددات يتم منح المعمل موافقة بيئية على الإنشاء اذا توفرت فيه وحسب القوانين والتعليمات النافذة، وهناك جولات ميدانية مستمرة لمعامل الطابوق تقوم بها كوادر البيئة لمراقبة وتقييم الأنشطة الصناعية".
وبحسب تصريح لبيئة ذي قار عام 2015، فقد كان هناك 107 معامل للطابوق بالمحافظة وجميعها حاصلة على تصاريح رسمية.
إغلاق معامل مخالفة
في العام 2011 تمكنت بيئة ذي قار من اغلاق 25 معملا بدائيا لصناعة الطابوق في عدد من المناطق وذلك لمخالفتها المتطلبات البيئية وتسببها بنسبة كبيرة بالتلوث.
تقول مصادر صحية بوقت سابق إنه "تم تسجيل حالات من الربو والتدرن الرئوي بمعدلات عالية بالنسبة للمناطق والتجمعات السكانية التي تقطن قرب معامل الطابوق وخاصة في قضاء الاصلاح وسيد دخيل وجاء هذا الغلق بحسب بيان للدائرة آنذاك بسبب كون تلك المعامل بدائية يتعذر فيها تركيب منظومة الحرق الآلي التي تقلل من أضرار انبعاث الغازات السامة".
وفي حديث مقتضب قال مدير قسم الصحة العامة في صحة ذي قار حسين رياض لـ"ميل"، إن "قسم الصحة العامة لا يتلقى إحصائية تتعلق بالاختناق أو تليف بالرئتين، بل تذهب إلى المستشفيات مثل أي حالات مرضية اعتيادية ولا تعتبر من الأمراض الانتقالية".
منذ مايقارب 16 عاما، كانت ذي قار قد اعتمدت على منظومة الحرق الآلي في عملية تشغيل معامل الطابوق لخفض معدلات التلوث، لكن عدد من أصحاب معامل الطابوق لم يلتزموا بهذه المنظومات.
وتتواجد معامل الطابوق بشكل حصري في مناطق أقضية الإصلاح والرفاعي والفضلية وتل اللحم وقلعة سكر وسيد دخيل، حيث يستخدم معظم هولاء النفط الاسود في منظومة الاحتراق الخاصة بصناعة وإنتاج الطابوق.
في العام 2014 كان مجلس محافظة ذي قار قد أكد أنه أنشأ بثلاثة معامل لتصنيع الطابوق بتقنية حديثة وصديقة للبيئة ولا تسبب تلوثا حيث تم توزيع المعامل على مناطق الاصلاح وقلعة سكر وسوق الشيوخ.
يقول علي محمود إن "غالبية المعامل تستعمل طريقة الحرق الالي والمعمل لا يشتغل الا بعد استحصال الموافقات البيئية وبحسب الشروط والتعليمات، والمعمل يستقطب الكثير من الايدي العاملة بحدود ما بين 30 الى أكثر من 100 عاملا بحسب حجم المعمل كما أن السلامة المهنية متوفرة في أغلب المعامل كون هناك لجان وزيارات مستمرة لمتابعة ما يجري".
وفي عام 2021 أقدمت معامل الطابوق في ذي قار على تسريح أكثر من 2000 عامل موزعين على معامل الطابوق بالمحافظة، وذلك بسبب تعطلها نتيجة توقف امدادها بالوقود من قبل مصفى ذي قار.