حسن الشنون
يبدو أن معاناة سائق سيارة الأجرة داخل العاصمة بغداد، صادق الساعدي، التي استمرت لعقدين من الزمن، انتهت بعد قرار رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في 20 آذار 2023، بتفكيك الحواجز الخرسانية التي كانت تقطع أوصال أحياء العاصمة وتخنق الشوارع بزحامات مرورية معقدة، ضمن حملة "بغداد أجمل".
الساعدي (43 عامًا) يقول إن رفع الصبات الكونكريتية من أزقة وشوارع بغداد ساهم بشكل كبير في انسيابية السير، وننتظر بشغف المشاريع الأخرى التي وعد بها السوداني لفك طلاسم الاختناقات المرورية التي تشهدها العاصمة بشكل يومي.
الكتل "الصماء" كما يصفها العراقيون، قطعت مناطق العاصمة إلى ما يشبه بـ"الكانتونات". ابتدعها الأمريكان بداية العام 2006، حلًا لمواجهة الحرب الطائفية والهجمات الإرهابية إنذاك، ما شكلت كابوسًا جاثمًا على صدور أبناء المحافظة، حسبما يقول صادق الساعدي.
رفع تلك الحواجز الاسمنتية وفتح الشوارع، عملية يصفها سائق التكسي، "إزالة للتجاعيد التي كانت تشوه وجه العراق الجديد". فيما تقول السلطات أنها شرعت بحملة رفع الصبات والحواجز الأمنية بسبب زوال مبرر وجودها وانتهاء حقبة الخروقات الأمنية.
وتقدر أعداد الجدران الاسمنتية في بغداد، بعشرات الالاف، إذ يختلف ثمن الواحدة منها حسب النوع والحجم، بينما تتراوح أسعارها ما بين 180-2500 دولار أمريكي، كانت تحيط تلك الحواجز بالمؤسسات الحكومية ومقار الأحزاب ومباني المسؤولين والشوارع والأسواق.
وصنعت تلك الصبات منذ مطلع العام 2004 من قبل شركة "77" الكردية ومجموعة أخرى من الشركات العراقية. وقال مدير شركة 77 هيرش خوشناو في تصريحات صحافية سابقة، إن "عدم استقرار الوضع الأمني في العراق منذ أواخر العام 2003، وضع الأمريكيون تصميماً خاصاً للحواجز الأمنية، بمواصفات خاصة، بحيث يقلل خسائر التفجيرات بنسبة 70% من خلال جعل الشظايا ترتفع إلى أعلى بدلاً عن الجوانب، كما لا يمكن اختراقه بواسطة الصواريخ وقذائف أر بي جي والسيارات المفخخة".
وعن قيمة العقد، يقول خوشناو "بلغت قيمة العقد المبرم بيننا وبين الحكومة العراقية والأمريكيين 1.8 مليار دولار، وتراوح سعر الحاجز الواحد، حسب نوعه وحجمه، بين 180 و2500 دولار".
وحسب خوشناو، لغاية العام 2018 كان يوجد في العراق 100 مصنع، ونحو 12 مصنعا منها موجود في إقليم كردستان، لصناعة الحواجز الكونكريتية، وأدى تراجع الطلب على هذه الحواجز إلى توقف مصنعه عن إنتاجها.
في العام 2007 كان العراق ثاني أكثر بلد عربيا بعد الامارات استيرادا لمادة للاسمنت، والاستيراد الكثير لم يكن للاعمار بطبيعة الحال بل كان لبناء الجدران الفاصلة.
كانت النتيجة التراكمية لكل هذا البناء هي تشويه جزء من المشهد الحضري لبغداد، حتى جاء قرار السوداني الذي إعاد لبغداد رونقها وأظهر وجهها الجديد. قرارًا يراه الكثير من المواطنين دليلًا على أستباب الأمن خاصة بعد أن أصبحت معظم الطرق سالكة أمامهم.
قبيل قرار رئيس مجلس الوزراء، ناقش مسؤولو الأمن ما إذا كانت التوترات في البلاد قد انخفضت إلى مستوى كافٍ لتبرير إزالتها.
ارتياح شعبي
وبعد تفاقم ظاهرة عزل مدن العاصمة عن بعضها البعض وانعكاسات ذلك على تعاظم أزمة المرور فيها، استجاب رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني في وقت سابق لمناشدات شعبية برفع الكتل الكونكريتية عن حدود المناطق على هامش زيارة تفقدية أجراها لعدد من مناطق بغداد، قرار حكومي ولد ارتياحاً شعبياً في أوساط سكنة العاصمة .
علي العاني معلم متقاعد يبدي ارتياحاً لعودة الحياة الطبيعية لمنطقة شاكر العاني التي يسكن فيها، متطلعاً إلى أن "تستعيد بغداد نشاطها في ظل حملة اعمار المنطقة التي وعد بها رئيس الوزراء"، مضيفاً بأن "الحواجز الكونكريتية التي وضعت منذ العام 2006-2007 أسهمت بخنق المدن وجعلتها من المدن المنسية المفتقرة لأبسط الخدمات".
رحيم عبد قصاب مواطن آخر من محلة الكرادة يقول إن المنطقة كانت أشبه بضاحية ميتة والحركة التجارية انتهت خلال السنوات السابقة، لكنها عادت للواجهة من جديد وانتعشت حركة السوق بعدما فتحت جميع الشوارع والازقة وصار من السهل تنقل العجلات فيها وتخفيف من حدة الازدحامات المرورية .
رفع الحواجز الأمنية
وكان مكتب رئيس الحكومة محمد شياع السوداني قد أصدر في وقت سابق توجيهاً عاجلاً إلى وزارة الداخلية ومديرية المرور العامة يخص الاختناقات المرورية داخل بغداد، ووجه في حينها بتكثيف الجهود لمعالجة الاختناقات المرورية في مدينة بغداد والسيطرات الخارجيـة لمـداخل العاصمة وايجاد حلول عملية وسريعة تتحاكى مع هموم المواطن .
وبالفعل فقد شهدت بغدادخلال الأشهر الماضية رفع عدد من الحواجز الأمنية في مناطقها، حسبما يقول العميد احسان عبد الخالق المعاون الأمني لقائد عمليات بغداد، الذي يوضح أن "قيادة العمليات رفعت منذ مطلع العام 2023 ولغاية 20 نيسان 2023 أكثر من 72 حاجزاً أمنياً من شوارع بغداد ضمن جانبي الكرخ والرصافة، بالإضافة إلى 6 حواجز رئيسية في مداخل العاصمة".
وتتوزع على مداخل بغداد 24 حاجزا أمنيا جميعها تدخل ضمن المحيط الأمني سيتم رفعها في حال اكتمال مشروع الحاجز الأمني الذي يحيط بغداد ، فيما يتم الإبقاء على المنافذ الرئيسية مع المحافظات فقط وفقا للقائد الأمني.
ويقول عبد الخالق، إن "الأجهزة الأمنية ستعتمد على تفعيل الجهد الاستخباري والحواجز الامنية المشتركة المتنقلة التي يمكن نصبها في مكان ما في حال وجود أي ضرورة أمنية".
تفعيل مشاركة البغداديين وتزويد القوات الامنية عن أي معلومة تتوفر "خطوة في الاتجاه الصحيح" يراها القائد الأمني الذي يصف المواطن بأنه" الرافد الحقيقي للمعلومة الاستخبارية".
وفي ذات السياق يكشف مصدر أمني في شرطة بغداد عن رفع 15 حاجزاً أمنياً في جانب الرصافة و12 حاجزاً أمنياً في جانب الكرخ من أصل 104 حاجز موجوداً في جانبي الكرخ والرصافة"، كاشفاً عن "اعادة افتتاح 96 شارعاً حيوياً مغلقاً بهدف التخفيف عن المواطنين وتقليل الزحامات والاعتماد على الجانب الاستخباري بدلا من الحواجز".
ووفقاً لما يقوله المصدر الأمني إن "خطة إعادة بريق مدينة بغداد وتقليل الاجراءات الامنية تقوم على ثلاثة محاور أولها إعادة النظر في الحواجز الامنية داخل المدينة وخارجه، بالإضافة إلى نصب كاميرات مراقبة في جميع مناطق بغداد للحفاظ على المكتسبات الأمنية ضمن خطة الأمن المناطقي".
الحياة تعود لبغداد تدريجيا
حسبما يقول المتحدث باسم أمانة بغداد اسماعيل صبار، تنفيذاً لتوجيهات رئيس مجلس الوزراء، في اعادة الحياة الطبيعة لبغداد وفك الاختناقات المرورية ضمن حملة "بغداد أجمل" باشرت دوائر الأمانة بشكل فعلي برفع جميع الكتل الكونكريتية وفتح الشوارع المغلقة والتنسيق مع قيادة عمليات بغداد على رفع الكتل الكونكريتية من الشوارع التي تحيط بمؤسسات الدولة، مشيرا إلى أن "بغداد ستشهد فتحا لجميع شوارعها المغلقة خلال نهاية العام الجاري".
ووفقاً لإحصائية رسمية لأمانة بغداد فإن المؤسسات الأمنية والخدمية رفعت منذ انطلاق الحملة قرابة "27 الف قطعة خرسانية من شوارع بغداد ومناطقها كانت تستخدم لغلق الطرق وحماية المؤسسات الحكومية".
ويكشف المتحدث الرسمي لأمانة العاصمة عن طبيعة المشاريع التي تم المباشرة فيها، منها مشروع اكساء 4 مليون متر مربع في عموم قواطع دوائر البلدية بالاضافة إلى انشاء 6 مجسرات 3 منها في جانب الرصافة و3 في جانب الكرخ "معبراً عن" أمله في أن تسهم مثل هذه المشاريع في اعادة بريق وجه بغداد الناصع".
الحال، يعيش العراق الآن فترة نادرة من الهدوء بعد عقود متتالية من العنف، والتي بلغت ذروتها خلال المعارك الطائفية من 2006 إلى 2008، بالإضافة إلى العام 2014 دخول تنظيم داعش الإرهابي لمناطق واسعة من البلاد. حتى أن بعثة الأمم المتحدة في العراق توقفت عن نشر إحصاء شهري للقتلى جراء أعمال العنف في البلاد.