في كل مرة يقضي المزارع أحمد المسعودي أكثر من ست ساعات متواجداً في ساحة بيع الرقي بناحية شيخ سعد، أحد أحياء محافظة واسط، وهو يسند جسده على مركبته التي تحمل قرابة طنين من الرقي العراقي بانتظار المشترين.
جل ما يطمح اليه المزارع الواسطي هو تفادي خسائر متوقعة بسبب اتساع عمليات استيراد المحاصيل الزراعية من خارج البلاد.
لم يكن المسعودي وحده حائراً في الكيفية التي يمكن فيها تصريف محصوله من الرقي، فهناك أعداد كبيرة من الفلاحين ركنوا مركباتهم في الساحة التي تمتد لأكثر من 25 دونماً، وهي تمتلئ بأنواع المركبات المحملة بالرقي بعد انتاج كميات كبيرة منه في منطقة "خزينة" الفاصلة بين الحدود العراقية الإيرانية، ضمن منطقة الشهابي الى الشرق من مدينة الكوت، مركز محافظة واسط.
رقي بطعم السكّر!
إحياء زراعة الرقي في مقاطعة "خزينة" بدأت منذ عام، بعدما استنسخ الفلاحون تجربة زراعته في المناطق المجاورة لإيران باعتماد نظام الالواح المغطاة وطريقة الري بالتنقيط اعتماداً على الآبار الارتوازية.
يقول معاون محافظ واسط لشؤون الزراعة سلام البطيخ، إن "رقي حزينة يزرع بعروتين، الأولى في شهر كانون الثاني من كل عام ويتم طرحه الى السوق المحلية أواخر نيسان ومع بداية أيار، والعروة الثانية تكون في أواخر مايس ويطرح الى الأسواق مع بداية شهر أيلول".
ويتميز رقي خزينة بحلاوته وطعمه ولونه الأحمر رغم اختلاف مصادر بذوره، وجميع أنواعه لا تحتاج إلى كميات كبيرة من مياه السقي .
وحسبما يقول البطيخ فإن "المزارعين في تلك المناطق يعتمدون على نظام الري بالتنقيط، والنبتة الواحدة من الرقي تعطي الثمر مرة واحدة وفي وقت واحد، لذلك يطرح الى الأسواق دفعة واحدة".
وحول أنواع البذور التي يستخدمها المزارعون يقول: "تختلف الأنواع من مكان لآخر، فمنها ما يطلق عليها (الباشا) والبذور الهولندية و(غالينا) وهو هندي المصدر و(تابكون) وبذوره من الصين والبذور الإيرانية، إضافة الى أنواع اخرى من البذور".
وتتميز جميع تلك الأنواع بمذاقها الطيب وطعمها ولونها بفضل تربة الأرض التي تزرع فيها والتي تتميز بالخصوبة العالية، لذلك يصل وزن الرقية الواحدة أحياناً الى 16 كليو ومعدل الوزن ما بين 8 ــ 10 كيلو غرام".
مزاد الرقي
وفي مشهد يومي، تصطف مئات المركبات المحملة بالرقي في ساحة البيع تحت أشعة الشمس الحارقة، ولا سبيل أمام أصحابها غير الجلوس في ظل مركباتهم التي يفتتح المزاد عليها بــ25 ألف دينار للمركبة المحملة بنحو طن من الرقي.
"في أكثر الأيام نظل ليوم أو يومين على أمل بيع الحمولة التي لم يزد سعر الكيلو فيها وفق طريقة المزاد عن 100 دينار، لذلك نبيع بخسارة"، يقول الفلاح ستار جبار وهو يمسح عرق جبينه المتصبب.
ووفقاً للمزارع فقد يتراوح سعر حمولة الكيا (2 طن) من الرقي ما بين 70 الى 100 ألف دينار في المزاد، ولا سبيل غير البيع بهذه الاسعار.
ويضيف متابعا: "لهذه الأسباب وغيرها عرض بعض المزارعون مزارعهم للاستثمار تفادياً لتكرار الخسارة، لكن ما نخشاه انحسار زراعة الرقي في المنطقة في ظل غياب الدعم الحكومي".
وفي الوقت الذي يرد المزارع الواسطي تراجع الاقبال من قبل كبار المسوقين على الرقي العراقي بسبب مثيله المستورد، يطالب الحكومة العراقية والجهات المختصة بـ "منع استيراد الرقي بعد انتاج كميات كبيرة منه في واسط وسامراء والعظيم والموصل وأربيل وكربلاء إضافة الى الحويجة وباقي مناطق العراق الاخرى".
وتبلغ مساحة مقاطعة خزينة أكثر من 15 ألف دونم وأرضها خليط من الرمل والتربة الحمراء، وتمتد حدوها من مقاطعة الجفتة عند قضاء علي الغربي بمحافظة ميسان صعودا الى أطراف ناحية جصان شمالا ومن الغرب منطقة الشهابي في شيخ سعد بينما تحدها من الشرق الاراضي الايرانية.
وتسمية "خزينة" قديمة منذ الأزل ويعتبرها السكان القدماء أنها خزينة للخيرات خاصة المنتجات الزراعية كالبطاطا والبصل والخيار والرقي والبطيخ والذرة الصفراء والقطن، إضافة الى القمح والشعير، قبل أن تفقد تلك الهوية إبان حرب 1980 ــ 1988 بعدما أصبحت مسرحاً للحرب والقتال.
غياب الدعم وبلاء الكهرباء
يفصّل الفلاح "علي ثامر الجليباوي" الذي يمتلك مزرعة بمساحة 300 دونم طبيعة المشاكل التي تواجه اصحاب مزارع الرقي في المنطقة، كاشفاً عن أن "غياب الدعم الحكومي واعتماد الفلاح على امكانياته الذاتية وشراء كل شيء على حسابه تعد في أولى تلك المعوقات".
وتمثل قوائم الكهرباء ذات المبالغ المرتفعة مشكلة وهماً كبيراً "يعاني آثاره الفلاح الذي لم يستفد من التيار الكهربائي بسبب ضعف الفولتية الواصلة لمزرعته ، وهي لا تكفي لتشغيل المضخات المنصوبة على الآبار الارتوازية" وفقاً للجليباوي الذي يقول إن "المزارعين يدفعون أجوراً عالية للكهرباء من أجل إنارة مصباحين أو ثلاثة لإنارة أماكن استراحة العاملين في تلك المزارع، وهي بحد ذاتها أماكن بسيطة مشيدة من الطين والقصب يطلق عليها في الغالب (كبرات)."
ويشير الجليباوي إلى أن "بذور الرقي باتت هي الأخرى تثقل كاهل الفلاح الذي كان يشتري الكيلو الواحد بأقل من عشرين ألف دينار، بينما وصل سعر الكيلو مع بداية الموسم الى نحو ثمانين ألف دينار إضافة الى ارتفاع تكاليف الأسمدة والمبيدات المستخدمة"
يذكر أن المجلس الوزاري للاقتصاد في العراق قرر مؤخراً، إيقاف استيراد تسعة محاصيل زراعية إلى إشعار آخر نتيجة لوفرتها محليا.
وجاء القرار بناءً على طلب وزارة الزراعة إيقاف استيراد محاصيل (الطماطم، البطاطا، الخيار، البصل، الشجر، الباذنجان، الرقي، البطيخ والبامياء) نظرا لوفرة الإنتاج المحلي بكميات كافية لسد حاجة السوق المحلية.