تعجّ وسائل الإعلام العراقية المختلفة يومياً بأخبار ونشاطات كثيرة لمحمد شياع السوداني، رئيس "حكومة الخدمات" كما يُحبذ أن يُسميها، إلى جانب تصريحات تُغرق الفضاء الإلكتروني بجوانب حياتية مختلفة تتعدّى السياسة ولا تقف عند الأمن والاقتصاد.
وبجردة حساب بسيطة لتصريحات السوداني منذ توليه المنصب وحتى الآن، لم يتطرق الرجل إلى السياسة إلا بالنزر القليل، حتى بدا صائماً عنها، على النقيض من أسلافه الذين أولوا الجانب السياسي أهمية قصوى على حساب الجوانب الخدمية.
ورغم أن المجتمع العراقي مثقّف سياسياً وعلى درجة كبيرة من المعرفة، مقارنة بالمجتمعات الأخرى، لكنه لا يبدو مولعاً بها، ويتخذها لهواً للتندّر على واقعه المرير الذي خلفته حكومات متعاقبة رجّحت السياسة والتناكف على الخدمات.
لا يبدو السوداني مشابهاً لمن سبقوه، فالرجل المتدرج بالمناصب من أدناها إلى أرفعها، يعرف أهدافه ويسعى لكسب ثقة الشارع الناقم على السلطة منذ سنوات، بسبب تدهور الوضع على صعد مختلفة، وهي مهمة تبدو صعبة لكنها ليست مستحيلة على الأرجح.
ومع ذلك، فإن سلوك السوداني الخدمي، لم يُغيّب السياسة عن ذهنه، فهو يمارس لعبة التوازن باستمرار على حبال التناقضات المحلية والإقليمية، وهنا تقع المفارقة: أن تكون صائماً عن التصريح أو التلميح السياسي، لكنك تبرع فيه على نحو كبير!
عندما جئت لأسطّر هذه الكلمات، لم أستطع أن أتجاوز عبارات وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي، عندما أغدق بالمديح على السوداني، وهنأه على "إنجاز عظيم تحقق دون أن ندري، وشعر به كل الناس في العراق والخارج"، إذ يرى قرداحي أن هذا "النجاح" يتلخّص بـ"إعادة الثقة إلى طريقة الحكم والدولة بالعراق" التي كانت تعاني انهياراً شبه تام.
يظهر ذلك جليّاً في إجراءات السوداني فلو راجعنا اسبوع واحد فقط من إجراءاته سنتأكد حراكه المكّوكي نحو ما يهم الناس، مطلع الاسبوع وتحديدا يوم السبت الماضي دشّن مؤتمر طريق التنمية، ليطلق صافرة البداية لأكبر مشروع اقتصادي شهده العراق. ولم يسترح السوداني في اليوم الأحد، فقد كان حاضراً في وزارة الموارد المائية لوضع حلول واقعية لأزمة شح المياه وآليات معالجتها.
ليكمل الاثنين ما بدأه، في اجتماع كبير وموسّع حضره وزيرا الزراعة والصناعة، ووجه السوداني خلاله بتشكيل فريق يتولى إدارة توزيع منظومات الري وإلغاء كل اللجان الفرعية، فضلاً عن توفير الدعم للفلاحين الذين يمثّلون عصب الغذاء في العراق.
وبعد أقل من 24 ساعة، عقدت جلسة مجلس الوزراء في يوم الثلاثاء، برئاسة السوداني الذي أصدر فيها سلسة قرارات تتوّج عمله الأسبوعي، ليظهر بعد ذلك يوم الأربعاء، أثناء افتتاح محطات تحويلية للضغط العالي للطاقة الكهربائية، في محطتي القدس والرشيد، وذلك لفكّ اختناقات الشبكة الكهربائية عن العديد من مناطق بغداد، ليحقق حلماً منشوداً بتحسين واقع الطاقة.
وختم رئيس الحكومة أسبوعه بالإعلان عن مشاريع لخمس مدن سكنية جديدة.
يؤكد السوداني أنه يضع مشكلات المجتمع ومآسيه ضمن الأولويات، ويعلم جيداً أن المشكلات المزمنة تتطلب عملاً واستعداداً عاليين، لأن المواطن ينتظر حلولاً تنهي الأزمات ولا ترقّعها.
وبالنظر لهذا النشاط على مدار أسبوع واحد فقط، يمكن تفسير عبارات جورج قرداحي بأن شخصاً يتحرك بهذا المسار والسرعة هو من يكسب ثقة الناس.