يكابد العراق لكبح جماح تجارة المخدرات المتصاعدة وسط منطقة مترامية الأطراف يصعب السيطرة عليها، بيد أن الوضع تغير الآن بعد تطورها إلى تهديد جسيم يشكل خطراً على مستقبل البلد، ما هي أدوات مواجهة هذا "الإرهاب الناعم"؟ وكيف تبدو قبضة الدولة للتعامل معه وهل أمام المتعاطين فرص للنجاة من "نهم" يقودهم نحو الهاوية؟
لسنوات طويلة بقي العراق يبذل جهوداً للسيطرة على "السموم البيضاء"، وبعد تصاعد حدتها أمست مواجهة خطرها أولوية لدى الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، بينما تحرك البرلمان لمساندة السلطة التنفيذية بهدف تعديل قانون مكافحة المخدرات رقم 50 لسنة 2017، خاصة الفقرات المتعلقة بطبيعة العقوبات الجزائية بحق المتاجرين.
وفق ذلك، أعلنت وزارة الداخلية، حصيلة حملاتها ضد مهربي ومروجي المخدرات، مؤكدة القبض على 10 الآف متهم، خلال الأشهر الثمانية الماضية، حيث وصفت الرقم بـ"الانجاز الأمني".
وفي مؤشر خطير لتحول العراق من ممر للمخدرات إلى مستهلك ومصنع لها لأول مرة في تأريخه، كشفت الداخلية عن ضبط أول مصنع لحبوب الكبتاغون في محافظة المثنى، وقبلها بأشهر ضبطت قوات الأمن 3 ملايين حبة مخدرة قادمة من سوريا جرت محاولة تهريبها عبر منفذ القائم في الأنبار، وهذه الأنشطة الإجرامية لن تكون الأخيرة، حسب مختصين، وبحاجة إلى يقظة تامة للحيلولة دون خروج الأمر عن السيطرة.
ضمانات صحية وقانونية
قد تكون المادة 40 من قانون مكافحة المخدرات، طوق نجاة لأعداد كبيرة من متعاطي المخدرات على المستويين الصحي والقانوني، إذ تنص على أنه لا تقام أي دعوى جزائية على المتعاطي الذي يقدم طلباً بالعلاج.
وبشأن تعامل السلطات مع المتعاطين من الناحية القانونية، أوضح المتحدث باسم مديرية مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية حسين التميمي، أن "المديرية تعمل وفق المواد التي نص عليها قانون المخدرات، خصوصا فيما يتعلق بالمادة 40".
المسؤول الحكومي يرى في حديثه لـ"ميل"، أن "مراكز علاج إدمان المخدات التي افتتحتها وزارة الصحة توفر كل المستلزمات الخاصة في تأهيل متعاطي المخدرات ومساعدتهم في استعادة صحتهم الجسدية والنفسية ومن ثم دمجهم مجددًا في المجتمع".
وفيما يدعو المتعاطين إلى "الذهاب للمستشفيات المتخصصة لتلقي العلاج"، يؤكد التميمي لـ"ميل"، أن "المديرية تقوم بعمليات كبيرة لمكافحة المخدرات، بالتعاون مع كافة الأجهزة الأمنية، للحفاظ على السلم المجتمعي".
وعلى مستوى الجهد الدولي يقول التميمي، إن "المديرية العامة لشؤون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية لديها تعاون دولي وعربي لمكافحة المخدرات داخل العراق، حيث جرت عدة اجتماعات مع الجانب الفرنسي ومع مؤسسة الأمم المتحدة لتطوير عمل مكافحة المخدرات".
مشروع مطروح
يؤكد نواب أن التعديلات الخاصة بقانون المخدرات، في حال تمريرها ستحقق نتائج إيجابية، حيث يقول رئيس اللجنة القانونية النيابية محمد عنوز لـ"ميل"، إن "مشروع تعديل القانون مطروح على طاولة اللجنة واللجان النيابية الأخرى".
وأقر عنوز بـ"خطورة ملف المخدرات باعتباره مصدراً لكل الجرائم"، لكنه قال إن "انتشارها لا يقتصر على مدينة أو حي واحد في العراق"، وأشار إلى أن "جميع المتعاطين لديهم أمل ويمكنهم الشفاء في حال قرروا ذلك وتعانوا مع الأجهزة المختصة".
ويقول رئيس اللجنة القانونية، "كنا نفخر بأنفسنا ذات مرة كدولة خالية من المخدرات، لكننا نشهد اليوم زيادة كبيرة في استهلاك المخدرات، خاصة بين شبابنا".
وأوضح عنوز أنه "سيتم إعادة تأهيل المدمنين بالطرق العلمية واتخاذ إجراءات صارمة ضد المتورطين في تهريب المخدرات"، حاثا الناس على "تبادل المعلومات حول مهربي المخدرات مع الشرطة لتفكيك سلسلة التوريد".
ويعزو معظم المسؤولين ومن بينهم عنوز التدفق المتزايد والمستمر للمخدرات من بعض دول الجوار إلى العراق، إلى ضعف الرقابة والتدقيق في الحدود وكذلك ضعف المواد القانونية الرادعة.
وعلى مدى العقدين الأخيرين، سعت الحرب التي يقودها العراق على المخدرات إلى القضاء على تجارة تلك المواد غير المشروعة، لكنها تجارتها وتعاطيها وصلت إلى آفاق غير مسبوقة تنهش جسد المجتمع على الرغم من الحملات الأمنية المكثفة، الأمر الذي دعا البرلمان إلى التحرك للحد من الظاهرة من خلال تشديد العقوبات، بحسب رئيس اللجنة القانونية البرلمانية.
معركة مصيرية
يتفق خبراء في القانون على أن التشريعات قابلة للتعديل نظرا لحاجة المجتمع إليها لا سيما مراجعة المواد المتعلقة بقانون المخدرات وسط استفحال تجارتها، حسبما يقول الخبير القانون علي التميمي.
ويؤكد التميمي في حديثه لـ"ميل"، أن الحكومة تخوض منازلة وصفها بـ"الكبرى"، ومعركة قال إنها "مصيرية" ضد تجار الإرهاب الناعم، موضحًا بأن هناك ضرورة ملحة لتعديل قانون المخدرات رقم 50 الذي كانت مواده علاجية أكثر مما هي عقابية بالتالي كان القانون غير موفق في ردع الجريمة والحد منها.
التميمي الذي يشدد على ضرورة "تعديل القانون وتنفيذه"، يحذر من خروج ملف المخدرات عن السيطرة في حال لم تشدد العقوبات وتمكين القوات الأمنية في تطبيق القانون.
"المادة 50 من قانون المخدرات" يصفها الخبير القانوني بـ"الهزيلة" ولا تتناسب مع واقع الجريمة في البلاد، مؤكدًا أن "المعالجة تحتاج الى حملة كبيرة تبدأ من المدارس إلى الإعلام ثم الخطب الدينية، لان شيوع المخدرات مرعب ومدمر للبلد على مدى السنوات المقبلة".
ويقول التميمي، إن "الإرهاب والمخدرات وجهان لعملة واحدة، لكننا نرى المخدرات أخطر من الإرهاب، إذ يمكنك رؤية الإرهابيين ومحاربتهم، لكن لا يمكنك رؤية المخدرات التي تقتل المجتمع بدم بارد".
وكانت وزارة الصحة أعلنت، أمس الجمعة، إتلاف 600 كغم من المواد المخدرة (الكبتاغون) والمحفوظة بغرفة حصينة في دائرة الطب العدلي ببغداد والتي تم ضبطها وفق محاضر قانونية.
وكان القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني وجه، السبت (22 تموز 2023)، بربط مديرية مكافحة المخدرات بوزير الداخلية مباشرة وفك ارتباطها بوكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية.
وجاء التوجيه بهدف زيادة الدعم الفني والإداري، وسرعة اتخاذ القرار واختصار الإجراءات وسهولة التواصل مع الجهات المماثلة في الدول المجاورة والإقليمية وذلك لتهيئتها لتكون وكالة مستقلة وفقا لما ستقرره لجنة مختصة تم تشكيلها حديثا لدراسة المستوى التنظيمي الذي يفترض أن تكون عليه الجهة المعنية بمكافحة المخدرات.