الصفحة الرئيسية / "صرخات استغاثة".. كفاح في واسط لمواجهة مشكلة ضارية تضع الأمن الغذائي على المحك

"صرخات استغاثة".. كفاح في واسط لمواجهة مشكلة ضارية تضع الأمن الغذائي على المحك

واسط– محمد الزيدي


أنهر جافة وإطلاقات مياه منحسرة ووضع خطير يهدد الثروة السمكية والحياة في محافظة واسط، مع حرارة قاسية تجتاح العراق تستمر صيحات الاستغاثة هذا الصيف لإنقاذ ما تبقى من سبل العيش.  


مشكلة الجفاف تضرب بضراوة مهددة الأسماك النهرية وتفاقم معاناة الواسطيين، وسط أزمة هجرة جماعية تلوح في الأفق مصحوبة بخسائر اقتصادية فادحة وتضع أحد أركان الأمن الغذائي للعراق على المحك. 


الأسماك تنقرض


"بعدما كانت سدة الكوت قبل سنوات قليلة غنية بعدة أنواع من السمك كالبني والشبوط والكطان والسمتي وتسد حاجة المحافظة بشكل نهائي، جف الماء في أطرافها، وصار مكانه ممراً سالكا للدواب"، هكذا ببساطة يصف صياد السمك محمد البدري في حديثه لـ"ميل" ما حلّ بنهر دجلة المغذي لسدة الكوت الشهيرة، على خلفية أزمة المياه الخانقة التي تعيشها البلاد.


ويقول البدري، إن "ظاهرة شح المياه في حوض السد تعد المعضلة الأهم وراء تراجع انتاج الأسماك فيه، بعدما بسبب قلة الاطلاقات المائية من دول المنبع، في حين أن الدوائر المعنية تكتفي بالتفرج". 


ويواجه أغلب مربي الأسماك ضعفا في الإنتاج الأسماك نتيجة الجفاف الذي ضرب الأنهار، الامر الذي جعلهم بدون عمل أمام "ظاهرة خطيرة"، هكذا يقوب صياد السمك عزيز العكيلي في حديثه لـ"ميل"، مطالبا الحكومة بـ"إجراءات أكثر صرامة لحماية الثروة السمكية". 


ويجري العكيلي مقارنة بين عادات وطبائع أهل المدينة في استهلاك الأسماك وانتاجها خصوصاً سمك السدة المعروف بقيمته الغذائية العالية ولذة مذاقه وطبائع المدن الأخرى، قائلاً إن "مدينة الكوت منتجة للسمك وقلة المعروض منه في الأسواق المحلية أمر غير مألوف فيها".


أسعار ملتهبة 


أسعار الأسماك عادة ما ترتفع خلال فصل الشتاء، لكن أن ترتفع أسعارها خلال فصل الصيف، أمر لا يألفه الواسطيون. 


وإزاء تراجع الثروة السمكية على نحو حاد وارتفاع الأسعار، باتت العوائل الواسطية خصوصا ذات الدخل المحدود تجد صعوبة في تناول السمك، واقع يشخصه المهندس الزراعي سلام إسكندر الذي يقول لـ"ميل"، إن "حوض نهر دجلة يعاني من خلو شبه تام للأسماك، ما تسببت في ارتفاع أسعارها بشكل غير معقول".


ويؤشر المهندس ارتفاعاً في أسعار كيلو السمك يصل الى تسعة الأف دينار (حوالي سبعة دولار) بعدما كان يباع بثلاثة الأف دينار، وهذ من شأنه الاضرار بالمواطن والمربي على حد سواء " وفقاً لما يقول. 


ويضيف، "ساهم ارتفاع الاطلاقات المائية في وقت سابق في إحياء عديد المشاريع من الثروة السمكية وإعادة المزارع المتخصصة في تربيتها إلى الواجهة من جديد، لكن شح المياه أجبر العشرات من المزارعين، ومربي الأسماك على التراجع عن تلك المشاريع".


ويخلص إسكندر إلى القول، "باتت مثل هذه الظروف تضرب فرص انتعاش الثروة السمكية في محافظة واسط نتيجة ارتفاع نسب الأملاح وانخفاض الأوكسجين والجفاف، ما يعني أن واسط أمام واقع خطير وانهيار في فرص العمل". 


حلول عاجلة


بعد تصاعد أصوات الاستغاثة والاحتجاجات الشعبية في العديد من مدن وسط وجنوب العراق بسبب شح الميا وخشية حصول هجرة جماعية لسكان القرى والارياف ومناطق الأهوار، اتخذت الحكومة العراقية جملة إجراءات عاجلة للتعامل مع أزمة المياه، أهمها الاتفاق مع الجانب التركي على زيادة الاطلاقات المائية.


ومع أن الجانب التركي باشر فعليا بزيادة التدفقات المائية إلى نهر دجلة، تنفيذا للاتفاق الذي جرى التوصل إليه عقب مباحثات عقدها الشهر المنصرم رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، إلا أن العراق لايزال يسجل تراجعاً خطيراً في منسوب مياه نهري دجلة والفرات، ما تسبب بخسائر فادحة في القطاع السمكي والزراعي.


تراجع الثروة السمكية في حوض نهر دجلة يرجعه الطبيب البيطري ناطق المياحي ما يتعرض له النهر من زيادة ملحوظة في ملوحة الماء تؤثر بشكل سلبي على الثروة السمكية وتكاثرها ونفوقها في بعض الأحيان.


ويؤكد المياحي في حديث لـ"ميل"، أن "شح المياه وارتفاع درجات الحرارة عاملان ضاغطان على تربية الثروة السمكية". 


وتعرضت الثروة السمكية في العراق إلى انهيار ملحوظ بعد اكتفاء ذاتي عاشته البلاد خلال الأعوام الماضية، صورة تؤثر بشكل مباشر بأحد أركان الأمن الغذائي للعراق، وفقاً لما يراه مختصون يؤكدون "حصول ارتفاع متسارع في أسعار السمك محلياً". 


وثمة تحذير من أن "مستقبل ثروة العراق السمكية أمام خطر كبير مالم تسارع الحكومة الى عقد اتفاقيات معينة مع دول المنبع وإعادة إحياء الأنهار". 


وأمام ما تتعرض له الثروة السمكية  فإن ندرة المياه باتت تنذر بسيناريوهات مقلقة تدق ناقوس الخطر، فيما يبقى التعويل على التدابير الحكومية الأمثل.



30-07-2023, 10:26
العودة للخلف