"قطع صيوان الأذن"، عقوبة انتهجها النظام السابق لوصم المتخلفين عن الخدمة العسكرية، وتركت الماً غائراً في ذاكرة ضحاياها الذين لن ينسوا ما حل بهم، في واحدة من أفظع أساليب العذاب بحق النفس الإنسانية.
ثلاثون عاماً لم تكن كافية كي ينسى الضحية علاء البيضاني حادثة قطع صيوان أُذنه بعد تخلفه عن الخدمة العسكرية عام 1994، فكل ما يحيط بحياته العائلية يذكّره بالحادث المأساوي، ويبعث في نفسه "آهات وجع دفين".
"لا يمكنني نسيان كيف تم اقتيادي إلى المستشفى العسكري، وأُجريت لي عملية قطع صيوان الاذن تحت التخدير الموضعي"، هكذا يقول البيضاني في حديث لـ"ميل" وهو يحاول اخفاء أذنه اليمنى بأطراف شعر رأسه.
وكعادته في كل يوم يندب علاء البالغ ذو الـ(55 عاماً) حظه العاثر، بعدما فشل في الحصول على رعاية صحية وتعويض مجزٍ، ليظل يرزح تحت وطأة ظروف معاشية عسيرة وأحوال اجتماعية صعبة.
دخلت عقوبة قطع صيوان الأذن حيز التنفيذ بعدما أصدر النظام السابق في العام 1994 قراراً نص على قطع صيوان الأذن للهارب من الخدمة العسكرية أو المتخلف عنها، بخط أفقي مستقيم بطول لا يقل عن ثلاثة سنتمترات ولا يزيد على خمسة وبعرض ملمتر واحد.
قصة "علاء" ومعاناته لم تكن الوحيدة، فمثلما يعاني من ضياع حقوقه ومستحقاته، وفشل في تحسين أوضاعه المعيشية، فإن الضحية "حسن العلي" فشل هو الآخر في تجميل أذنه، لعدم قدرته على توفير عملية التجميل .
"لم أرتكب شيئا سوى أنني رفضت المشاركة في حرب عبثية، ولم استطع نسيان لحظات قطع أذني التي كلما اتذكرها ينتابني الهلع والخوف" يضيف حسن والألم يبدو على ملامحه.
ويقول، "مهما ارتكب الإنسان من فعل لا ينبغي أن تصل عقوبته إلى هذا الحد الوحشي، فما جرى هو جريمة بحق الإنسانية جمعاء".
ويتساءل البيضاني قائلا، "كيف يمكن لإنسان تقبّل قص صيوان أذنه من دون تخدير وتهجير عائلته وقطع حتى الحصة التموينية عنها".
البيضاني أحد من مئات وربما آلاف الرجال الذين طالتهم عقوبة "قص الأذن"، حسب إحصائيات المنظمات الحقوقية في العراق، جميعهم لايزالون يعانون ظروفًا صعبة، حيث لم تفلح الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق بعد عام 2003 في ضمان حقوقهم وتقديم الدعم المادي والمعنوي الكافي إليهم، بل ضلوا يعانون ولا يعبأ بهم المجتمع، زد على ذلك تعرض الكثير لازدراء وسخرية الآخرين.
أزمات إنسانية
وعلى الرغم من أن مجلس قيادة الثورة المنحل، عاد ليلغي قراره قبل نحو شهر من سقوط بغداد، إلا أن تطبيقه كان كفيلاً بولادة جيل من مشوّهي الوجوه والآذان.
منذ عام 2003 والضحية علي مهدي وعائلته ينتظران الحصول على تعويض مجزٍ أو حتى الظفر بوظيفة حكومية، "ليس من المعقول أن يضيع حقي في النظامين، وأن اقمع واضطهد بشكل لا يوصف"، " يقول مهدي وهو يستذكر ما جرى له يوم تنفيذ العقوبة.
ويضيف مهدي واصفاً وقائع ذلك اليوم، "أتذكر العديد ممن نفذ به الحكم أُغمي عليهم قبل العملية وغالبيتهم احتجزوا بعد ذلك في سجون الاستخبارات العسكرية".
ويوضح بالقول، "نحن نعيش في ضياع تام ولم نترك بابا إلاَّ وطرقناه، ومنذ سنين طويلة ننتظر رحمة الله، وفي بعض الأحيان نفكر حتى بالانتحار".
وينتظر مقطوعو صيوان الأُذن تدخلاً حكومياً بعدما اكتشفوا بكثير من الدهشة ضياع حقوقهم، وبحسب جهود المتابعة التي قام بها عدد من أعضاء مجلس النواب فقد صدر قرار بتعويضهم برواتب تقاعدية ، لكن أغلبهم لم ير شيئا حتى الآن .
ويقول مسؤول مكتب حقوق الإنسان في الكوت جواد كاظم لـ"ميل"، إن "الضحايا حرموا من الزواج والسفر وعانوا من التشهير المجتمعي، وانصافهم حق لا يمكن التنصل عنه".
ويضيف كاظم، أن "العديد من الضحايا يطالبون بشمولهم بقانون السجناء السياسيين والامتيازات التي يحصل عليها السجناء السياسيون وفقا للقانون، وهذا أبسط شيء تقدمه لهم الدولة، ويطالبون أن تتعهد الحكومة بإجراء عمليات تجميل لأذانهم، وذلك جزء من التزاماتها أمام مواطنيها".
حقوق مهدورة
لأن ضحايا العقوبة يجدون صعوبة في الاختلاط الاجتماعي ويعانون من الإحباط والعزلة بسبب استهزاء ونفور الآخرين، وشعور نفسي بأنهم منبوذون اجتماعيا، يعتقد النائب سجاد سالم في حديثه لـ"ميل"، أن تلبية متطلبات هذه الشريحة المضطهدة والوقوف على ما تعانيه من اضرار مادية ونفسية يفترض أن تكون أولوية من مهام الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، سيما وان شعارات تلك الحكومات كانت الانتصار للإنسان المقهور.
وفي الوقت الذي يعبر فيه النائب البرلماني عن آسفه لـ"فشل النظام السياسي وعجزه عن تلبية معاناة هذه الشرائح بعد عشرين عاما من حكم ديمقراطي" يقول لـ"ميل"، إن هؤلاء "عانوا من شتى أنواع العذاب النفسي والجسدي، وهم يشعرون بالصدمة حينما يستمر مسلسل مصادرة حقوقها أسوة بباقي الشرائح المضحية".
ويبدي سالم استغرابه، "من طبيعة التعاطي مع مشكلتهم وظروف التعامل التي لا تحترم أدنى الحقوق"، على حد تعبيره.