"أول عشرة تذوب البسمار بالباب، ثاني عشرة تقلل الأعناب وتكثر الأرطاب، وثالث عشرة تفتح من الشته باب"، أشهر الامثال العراقية ذات البعد التراثي، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو ارتباطه بالسماء العراقية، حيث تمتزج الأساطير بالحقائق العلمية، يلمع "نجم سهيل" كرمز بارز لانتهاء الصيف والتغيير.
"النجم سهيل"، المعروف أيضاً باسم "سهيلي"، يسطع في السماء العراقية مع بداية شهر آب/ أغسطس الجاري ويستمر في اللمعان حتى كانون الأول/ ديسمبر، وعادة يظهر في الأفق الجنوبي الشرقي عند شروقه، ويبلغ ذروته في السماء الجنوبية قبل أن يغيب في الأفق الغربي.
في العراق، يعد ظهوره علامة على تغييرات موسمية هامة وإيذان ببداية فصل الشتاء وتغير الطقس.
في التراث الشعبي العراقي، يعد ظهور "النجم سهيل" حدثاً ذا أهمية خاصة، وتُستخدم هذه الظاهرة كمرجع لتوقيت الأنشطة الزراعية، مثل زراعة المحاصيل الشتوية وحصاد المحاصيل الصيفية"، حسبما يقول كريم حسين ذو الـ(70 عاماً) في حديث لـ"ميل".
حسين رجل يمتهن الفلاحة ويسكن في أطراف بغداد، يعتبر أن "ظهور النجم سهيل يجلب الحظ والخير"، موضحا أن "الناس في العصور السابقة كانوا ينتظرونه بشغف لتحديد أوقات الزراعة والحصاد، وللاحتفال بالمناسبات الاجتماعية".
سعاد حمادي وهي امرأة مسنة تقول لـ"ميل"، إن "رؤية النجم سهيل تتطلب سماء صافية وأفق خالٍ من التلوث الضوئي"، معتبرة أن "لحظة مشاهدته في ذروته تجربة ملهمة ومؤثرة"، في إشارة إلى أن وضع السماء تغير حاليا ولم يعد رصد النجوم سهلاً بسبب عوامل التلوث.
ومن منظور علمي، "سهيل" هو نجم عملاق ذو لون أحمر يقع في كوكبة الميزان، ويعتبر من النجوم الأقرب إلى الأرض، ويسطع بقوة في السماء، وهو غائر في القدم ويعطي لمحة عن الحياة النجمية في الكون وكيفية تطور النجوم الضخمة.
ويشير علماء إلى أن دراسة "النجم سهيل" تقدم رؤى حول تطور النجوم العملاقة ودوراتها الحياتية، وتأثيرها على البيئة المحيطة بها، وهناك اهتمام متزايد في مراقبة هذا النجم وتحليله ضمن الأبحاث الفلكية العالمية.
في العراق، ثمة دعوات لتنظيم مهرجانات محلية وأنشطة تشمل إعداد أطعمة تقليدية والاحتفالات توامنا مع حدث ظهوره، والاستفادة من الظاهرة لتعليم الأطفال والشباب عن النجوم والأجرام السماوية، مما يعزز الوعي الفلكي ويشجع على الاهتمام بالعلوم.
ويلفت مختصون إلى أن الاهتمام بهذا الحدث الفلكي المهم يعزز التواصل بين الأجيال ويبني شعوراً بالهوية الثقافية.
ويؤكد المختصون، أن "النجم سهيل ليس مجرد جرم سماوي، بل هو جزء من التراث الثقافي والعلوم الفلكية في العراق، ويشكل رابطا بين الماضي والحاضر، بين الأساطير والواقع، ويقدم رؤية فريدة عن كيف يمكن لظواهر طبيعية أن تؤثر على المجتمعات بطرق متعددة، ومن خلال الاهتمام بظهوره وفهم خصائصه، يمكن العراقيون الحفاظ على تقاليدهم واستكشاف الكون من حولهم".
في نهاية المطاف، يمثل النجم سهيل أكثر من مجرد نقطة ضوء في السماء؛ فهو رابط بين الماضي والحاضر بين العلم والثقافة، ويستمر في إلهام الناس من خلال قصصه وتقاليده، تظل مشاهده تجربة تُثري حياتنا إن تيسرت، وتعمق الفهم لكيفية تأثير الأحداث الفلكية على المجتمعات والهوية الثقافية.