بينما يلعب الأطفال في أزقة مناطقهم، حيث تتداخل الأتربة وهدير السيارات وتزدحم البنايات، ثمة زاوية منسية توثق غياباً مؤثراً؛ اختفاء الضفادع والحشرات والخفافيش، أبطال المشهد البيئي الذي لطالما كان جزءاً من طفولة الأجيال السابقة.
"لم أشاهد ضفدعاً وكيف يكون الخفاش"، عبارة بريئة من طفل يحكيها لأبيه الذي يحدثه عن الماضي، تشير إلى حجم الكارثة البيئية التي تحدق ببغداد والمدن العراقية، ويتطلب تعاملاً جدياً لتلافي ضرر أوسع.
"قد يأتي يوم لايعرف فيه الأطفال شكل الشجرة إذا استمر الحال على هذا المنوال!!"، هكذا تقول نرجس كريم (45 عاماً) لـ"ميل" وهي أم لخمسة ابناء اصغرههم يتهيأ لدخول المدرسة في الموسم المقبل.
وتضيف كريم، "في طفولتنا كانت أماهتنا تخفينا بالخفاش الذي كان يظهر عادة في أوقات المغرب بأنه يلتصق بأعيينا من أجل الكف عن اللعب ودخول المنزل"، في إشارة منها إلى أن الخفافيش والطيور والحشرات كانت غزيرة في المناطق كافة أمام الآن تلاشى وجودها إلى درجة لم أن الأجيال الحالية لم تراها مطلقا.
غياب الضفادع والخفافيش والحشرات وكائنات أخرى كثيرة ليس أمراً عابراً، بل يثبت حصول تأثيرات مدمرة على النظام البيئي، واختلال توازن السلسلة الغذائية الذي يقود إلى تدهور التربة والنباتات، وبالمحصلة يهدد الاستدامة البيئية في المدن العراقية.
مختصون يؤكدون في حديث لـ"ميل"، أن "اختفاء الكائنات الحية أمر يجب متابعته ومعالجة أسبابه كونه يدق ناقوس الخطر"، موضحين أن "التوسع العمراني السريع وغير المدروس دمر العديد من المواطن الطبيعية وقلص المساحات الخضراء التي تعد موطنا لها".
ويوضح المختصون، أن "تلوث الهواء والماء والتربة الناتج عن الأنشطة الصناعية والنفايات والانبعاثات الضارة من وسائل النقل والمولدات وغيرها، أيضا يعد عاملا في اختفائها ما يعني أن الخطر داهم على صحة الإنسان".
وهناك أيضا التحويل الواسع للأراضي الزراعية إلى مناطق سكنية وتجارية، فضلا عن التغيرات المناخية التي ضربت الأنظمة البيئية المحلية، حيث قد تؤدي درجات الحرارة المرتفعة ونقص المياه إلى فقدان التنوع البيئي.
ويلفت المختصون بالقول لـ"ميل"، "لا يغفل أمر الإفراط في استغلال الموارد الطبيعية مثل المياه والأراضي والحروب والنزاعات التي شهدتها العراق على مر العقود والتي أثرت بشكل كبير على البيئة، حيث أدت إلى تدمير المواطن الطبيعية وإلحاق الضرر بالأنظمة البيئية".
ويوضح المختصون، أن "حماية التنوع البيئي تتطلب جهوداً متعددة، بما في ذلك تحسين إدارة الموارد الطبيعية، تعزيز التشريعات البيئية، وتعزيز الوعي البيئي لدى المواطنين".
ويشكل اختفاء الضفادع والحشرات والخفافيش في بغداد والمدن العراقية إشارات تحذيرية عن تدهور البيئة، ما يستدعي تعاوناً مشتركاً من قبل الحكومات والمجتمع المدني، لضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.
وفي خضم كل العوامل يُطرح سؤال ملح، كيف يمكن للاجيال الجديدة تقدير جمال الطبيعة ونظافتها، إذا كانوا لم يتعرفوا على كائناتها أبداً؟