من قواعدنا الاجتماعية التي اعتدنا عليها صغارا وكبارا هي احترام المواعيد، حتى صارت من بين ثوابت التربية أن يقال فلان محترم لانه يحترم مواعيده لتمتد هذه القاعدة على مناح أخرى بينها مؤسسات الدولة التي يفترض أنها تمتلك شخصية معنوية راسخة في عقولنا لتتعامل معنا وفق المبدأ نفسه، لذلك فنحن كمواطنين درجت على السنتنا عبارة "هي خربانة" حين تتأخر مواعيدنا في دائرة ما أو يتعطل سفرنا ساعات طويلة دون أن تكترث لنا جهة الدولة المعنية التي تجعلك تظن محقا أنها بلا "تربية"!.
وهذا الاحساس ينتابك أكثر حين تطال ظاهرة المواعيد المفتوحة مؤسسة التربية والتعليم، التي لا تدري إلى الآن متى يبدأ العام الدراسي الجديد، وما إعلانها بأنها "ستحدد في قادم الأيام" موعدا لجرس العام الجديد ونحن على أعتاب شهر تشرين الأول إلا دليل أنها لا تدري لتدخل بذلك الطالب وذويه في أجواء "تضارب المواعيد" وتفتح على نفسها أبواب الجدل والتكهنات.
فربما تصدق ظنون البعض أن الوزارة تتكتم الإفصاح عن الموعد لحين عبور الأول من تشرين لإبعاد الطلبة عن ساحات الاحتجاجات المتوقعة والابقاء عليهم في ساحات المدرسة، او لأنها ما تزال مشغولة بالدور الثالث للسادس الإعدادي وتفكر بدور رابع قد يقر باللحظات الأخيرة تلبية لرغبة أبن مسؤول لم تسعفه فرص الأدوار الثلاث كما أثير مؤخرا من لغط حول إعادة الامتحان في مدرستين أهليتين بكركوك.
وسواء كان ذلك حقيقيا أو كانت أزمة طباعة المناهج التي عصفت بنا فجأة بداعي عدم توفر تخصيصات وبعد ما توزعت الاموال الفائضة وساحت بكل الجوانب بقانون الأمن الغذائي المقر في البرلمان منذ أكثر من 3 أشهر هي السبب، فالنتيجة واحدة وهي جعل أولياء الأمور في حيرة المواعيد التي اختبروها وملّوها في جداول الامتحانات المعدلة في اللحظات الاخيرة والمؤجلة في ساعات متأخرة.
وعن أسباب ضبابية موعد العام الدراسي الجديد المتخلف حتى عن اقليم كردستان الذي قرعت اجراس مدارسه مبكرا يقول المتهمون في السياسة إن أمورًا أخرى جعلت ساعة التعليم مضطربة منها صراع خفي على مشروع الابنية المدرسية المقر ضمن الاتفاقية الصينية والذي دخل المقاولون على خطها بقوة ليضربوا مواعيد جديدة مع الكومشنات والصفقات خصوصا أن الاحالة للشركة الصينية كان بمبلغ 1.8 مليون دولار للمدرسة الواحدة بينما تتم احالتها للمقاول العراقي بـ 900 الف دولار، تذهب 200 الف دولار عمولة الوسطاء، و700 الف دولار أرباح الشركة الصينية للمدرسة الواحدة حسب مختصين.
وعلى وقع هذه الاشكاليات يكاد لا يكون للاستغراب مكانا بيننا ونحن نرى ونلمس مؤشرات الامية تقفز لـ 15 مليونا ونشهد منافسة ظاهرة تسرب الطلبة لـ "جائحة" تسريب الاسئلة، في بلد الأموال الفائضة و"الشهادات الفائضة" والرصاص الفائض إلا عن القرطاسية التي تشح فيها أقلام الرصاص وتختفي الممحاة ويتغير معها مفهوم "المقطاطة" لشيء آخر شبيه بسمعة مسؤول غير مسؤول!