تقدم دراسات شتى أدلة متزايدة تؤكد أن للحزن آثاراً تتجاوز الضرر العاطفي، إذ يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان ومشاكل الذاكرة والجهاز الهضمي وأمراض المناعة الذاتية.
ومؤخرا وجد الباحثون أن الآباء الثواكل معرضون بشكل متزايد لخطر الإصابة بالرجفان الأذيني، حيث ينبض القلب بشكل متقطع، ما يزيد من خطر الإصابة بسكتة دماغية.
وخلص الباحثون، في معهد كارولينسكا في السويد، أن أولئك الذين فقدوا أحد أفراد الأسرة المقربين (مثل طفل أو شريك أو أحد الوالدين أو الأشقاء) لديهم مخاطر أعلى للإصابة بالرجفان الأذيني وأمراض القلب واحتشاء عضلة القلب (النوبة القلبية) والسكتة الدماغية وفشل القلب، مقارنة بأولئك الذين لم يخسروا أحدا من أفراد الأسرة المقربين.
ويأتي ذلك في أعقاب بحث نُشر في مجلة JAMA Network Open العام الماضي، والذي وجد أن البالغين الذين يفقدون أحد الوالدين يزيد لديهم خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية.
ووجدت الدراسة، التي استندت إلى مليون شخص في السويد والدنمارك، أن الفجيعة تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة 41%، وكان الخطر أعلى في الأشهر الثلاثة الأولى بعد الخسارة، وزيادة بنسبة 30% في خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.
ووجد العلماء هذا الارتباط بغض النظر عما إذا كان هناك سبب وراثي لمشاكل القلب لدى الوالدين.
ويتمثل تفسير هذا الارتباط في أن الحزن "يمكن أن يظهر كضغط على الجسم وأنظمة الأعضاء والجهاز المناعي"، كما يقول الدكتور ستيفن ألدر، استشاري طب الأعصاب في Re:Cognition Health (عيادة خاصة في لندن)، الذي يبحث في آثار الصدمة العاطفية على الدماغ.
ويضيف: "ربما يفسر ذلك سبب مرض الأفراد خلال فترة الحزن".
والمشاعر القوية والمؤلمة التي يطلقها فقدان شخص عزيز التي يحتمل أن تكون مصحوبة بقلة النوم والروتين الصحي، يفسرها الدماغ على أنها حالة مرهقة، ما يؤدي إلى إطلاق هرمونات التوتر، الكورتيزول والأدرينالين، ما يتسبب في استجابة القتال أو الطيران في الجسم (استجابة داخلية للضغط تسبب تغيرات فسيولوجية لمساعدته على التعامل مع المواقف العصيبة).
وفي حين أن استجابة الإجهاد هذه مصممة لمساعدتنا على الهروب من الخطر الوشيك، إلا أن حالة التوتر المزمنة يمكن أن تسبب التهابا قد يؤدي بدوره إلى إتلاف جهاز المناعة.
وهذا يجعلك أكثر عرضة للإصابة بالعدوى المتكررة، وكذلك أمراض المناعة الذاتية، حيث يشن الجهاز المناعي هجوما على الجسم، ما يؤدي إلى حالات مثل التهاب المفاصل الروماتويدي.
ويوضح الدكتور ألدير: "إن تأثير الكورتيزول واسع: يمكن أن يعطل الأداء الطبيعي لكل جهاز في الجسم، بما في ذلك تنظيم نسبة السكر في الدم، ووظيفة التمثيل الغذائي والذاكرة. وذلك لأن الكورتيزول يقمع الوظائف غير الطارئة مثل الهضم".
وفي الوقت نفسه، فإن إفراز الأدرينالين يدفع الجسم إلى زيادة معدل ضربات القلب والجهاز التنفسي.
ويُعتقد أن ارتفاع الأدرينالين يسبب تلفا في القلب ويمكن أن يرتبط بما يسمى متلازمة القلب المكسور (أو اعتلال تاكوتسوبو القلبي)، حيث يوجد ضعف مفاجئ في عضلة البطين الأيسر للقلب، حجرة الضخ الرئيسية للقلب.
ونظرا لأن البطين الأيسر غير قادر على الانقباض، فإن الجزء السفلي من البطين يتجه نحو الخارج.
وغالبا ما يحدث بعد فجيعة، ونحو 90% من المرضى هم من النساء اللواتي يبلغن من العمر 50 عاما أو أكثر، ويموت واحد من كل 20 في المستشفى نتيجة لذلك. وفي حالة الناجين، عادة ما يعود شكل القلب وقدرته على الضخ إلى طبيعته في غضون ثلاثة أشهر، ولكن يعاني الكثير منهم من مشاكل طويلة الأمد مثل الألم والخفقان وضيق التنفس.