رصد تلسكوب "جيمس ويب" الفضائي أبعد مجرة تُكتَشَف على الإطلاق، تشكّلت قبل نحو 290 مليون سنة فقط من الانفجار الكبير.
وأذهل سطوع المجرة فريق العلماء حول العالم الذين أعلنوا عن الاكتشاف، الخميس.
وأوضحت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" أنّ هذه المجرة تتميّز بخصائص لها "تأثير كبير" على فهمنا لعصور الكون المبكرة.
والمجرة التي أُطلق عليها تسمية "JADES-GS-z14-0"، ليست "من أنواع المجرات التي تنبأت بها النماذج النظرية وعمليات المحاكاة الحاسوبية في الكون الناشئ جداً"، على ما قال في بيان الباحثان المشاركان في هذا الاكتشاف ستيفانو كارنياني وكيفن هينلاين.
وتساءلا: "كيف تمكّنت الطبيعة من إنشاء مثل هذه المجرة المضيئة والضخمة والكبيرة في أقل من 300 مليون سنة؟".
وقال هينلاين من جامعة أريزونا في الولايات المتحدة، إنه "قفز" فرحاً عند تأكيد بُعد المجرة.
المجرة المُكتشفة حديثا
وتابع في مقطع فيديو نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "إذا كان الكون فيلماً مدته ساعتان، فإن تاريخ هذه المجرة يعود إلى أول دقيقتين ونصف دقيقة".
وأشار إلى أنّ المجرة "غريبة جداً. فهي ساطعة بشكل كبير وضخمة جداً، وقد تحمل أدلة على وجود أكسجين، ونظراً إلى حجم المنطقة التي استكشفناها لرصدها، قد نكتشف مزيداً من المجرات".
وفي علم الفلك، يعني الرصد البعيد عودة بالزمن إلى الوراء. وعلى سبيل المثال، يستغرق ضوء الشمس ثماني دقائق للوصول إلينا، فنراه إذاً كما كان قبل ثماني دقائق. ومن خلال النظر إلى أبعد ما يمكن، يمكننا تالياً رصد أجرام كما كانت قبل مليارات السنين.
لكنّ الضوء المنبعث من الأجسام البعيدة جداً امتدّ حتى وصل إلينا، و"احمرّ" على طول الطريق، ومرّ في طول موجي غير مرئي للعين المجردة هو الأشعة تحت الحمراء.
وما يميّز "جيمس ويب" هو أنه يعمل فقط في الأشعة تحت الحمراء.
ومنذ إطلاقه في ديسمبر/ كانون الأول 2021، رصد "جيمس ويب" مجرة تحمل تسمية JADES-GS-z13-0، أُعلن حتى اليوم أنها الأبعد على الإطلاق ويعود تاريخها إلى 320 مليون سنة بعد الانفجار الكبير.
لكنّ المجرة التي أُعلن عن رصدها الخميس جعلته يحطم رقمه القياسي.
واستغرق الضوء المنبعث من المجرة المُكتشفة حديثاً أكثر من 13,5 مليار سنة ليصل إلينا (الانفجار العظيم حدث قبل 13,8 مليار سنة).
لكن "الرقم القياسي لا يهم" وقد يُحَطَّم مرة جديدة، بحسب هينلاين الذي يعتبر أنّ "ما يهم هو أن الكون يبدو وكأنه يعجّ بالمجرات الساطعة جداً".
وأشار إلى أنّ المجرة المُكتَشَفة تحتوي على كمية كبيرة من النجوم، "وهو أمر مذهل نظراً إلى الوقت القصير" بين الانفجار الكبير ولحظة رصده.
وتثير آثار الأكسجين المكتشفة فضولاً مماثلاً لدى العلماء، لأنّ هذا الغاز "يستلزم أن تكون النجوم قد عاشت حياتها كاملةً ثم ماتت في انفجارات المستعرات الأعظم".
واكتُشفت المجرة للمرة الأولى في يناير/كانون الثاني 2023 من خلال جهاز التصوير "نير كام" NIRCam، ولكن بفضل عمليات الرصد التي أُجريت بعد عام باستخدام أداة أخرى تابعة للتلسكوب هي مطياف "نير سبيك" NIRSpec، تم تأكيد بُعدها.
ويبلغ عرض المجرة أكثر من 1600 سنة ضوئية، ويُرجَّح أن كتلته تتخطى كتلة الشمس بمئات ملايين المرات.
وقُدِّمَت مقالات تتمحور حول هذا الاكتشاف للنشر في مجلات علمية.
ويُعدّ تلسكوب "جيمس ويب" الفضائي جوهرة تكنولوجية ابتكرتها تحديداً وكالتا الفضاء الأمريكية والأوروبية، وهو متمركز على بعد 1,5 مليون كيلومتر من الأرض، ويُستخدم لعمليات رصد يجريها علماء من مختلف أنحاء العالم.
وقال هينلاين إن "عدد الاكتشافات التي تمت في الكون الناشئ خلال عامين فقط أي منذ أن بدأ التلسكوب يرسل بياناته العلمية، جنوني"، مضيفاً "نأمل أن يستمر جيمس ويب في تقديم نتائج مماثلة للعقود المقبلة".