كشف علماء من جامعة ستانفورد أن أكثر من 140 نوعا من الأدوية يمكن أن تُحدث تغييرات جوهرية في ميكروبيوم الأمعاء، ما قد يزيد من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم.
وأظهرت الدراسة أن العديد من الأدوية الشائعة — من بينها 51 مضادا حيويا وأدوية للعلاج الكيميائي ومضادات للفطريات ومضادات للذهان المستخدمة في علاج الاضطراب ثنائي القطب والفصام — قادرة على القضاء على مجموعات كاملة من البكتيريا النافعة، وخلق بيئة جديدة تمكّن السلالات الضارة والمقاومة من الازدهار.
وبيّن الفريق أن هذه التغييرات لا تقتصر على قتل البكتيريا الحميدة مباشرة، بل تمتد إلى تغيير "مائدة الغذاء" داخل الأمعاء. فعندما تختفي السلالات الأضعف، تظل السكريات والأحماض الأمينية والجزيئات التي كانت تعتمد عليها، لتصبح مصدرا وفيرا تنمو عليه الأنواع الأكثر خطورة، ما يُحدث خللا طويل الأمد في التوازن الميكروبي.
وقال الدكتور كيه سي هوانغ، إن فهم كيفية تنافس الميكروبات على الغذاء يكشف جانبا مهما من الآثار الجانبية، ويتيح التنبؤ بكيفية تغيّر مجتمع البكتيريا بعد تناول الدواء.
ولفهم تأثير الأدوية على ميكروبيوم الأمعاء، أخذ العلماء عينة من براز بشري تحتوي على مجموعة كاملة من البكتيريا، ونقلوها إلى أمعاء فأر خال من الميكروبات، ليصبح ميكروبيوم الفأر شبيها بالميكروبيوم البشري. ومن هذا المحتوى أنشأ الفريق مجتمعا بكتيريا مستقرا يمكن دراسته في المختبر.
وبعد ذلك، عرّض العلماء هذا المجتمع لـ707 أدوية مختلفة، واحدا تلو الآخر، وبالتركيز نفسه، لمراقبة عدد البكتيريا التي تظل على قيد الحياة، والعناصر الغذائية المتاحة بعد موت البعض منها، ومدى تأثير كل دواء على نمو المجتمع ككل.
ومن بين الأمثلة اللافتة، لاحظ الفريق أن نوعين من البكتيريا المفيدة استطاعا النجاة عند إضافة الهيم، وهو جزيء غني بالحديد، في أنبوب الاختبار. أما في الأمعاء الطبيعية، فتحتاج هذه البكتيريا إلى بكتيريا أخرى لإنتاج الهيم. وعندما قضى دواء مضاد للفطريات على تلك البكتيريا المزوّدة، فقدت الأنواع المفيدة مصدر غذائها، فأصبحت ضعيفة أمام الدواء الذي كانت تقاومه سابقا، في حين استغلت السلالات الضارة العناصر الغذائية المتبقية وازدهرت.
وتوصّل العلماء إلى أن التدمير الناتج عن 141 دواء كان حاضرا دائما، إذ لم تتمكّن المجتمعات البكتيرية المتضرّرة من استعادة حالتها الأصلية حتى بعد إزالة الدواء. ويؤدي هذا الخلل المزمن إلى التهاب مستمر في الأمعاء، قد يسبب تلفا في الحمض النووي لخلايا القولون، ويزيد من احتمالات الإصابة بسرطان القولون والمستقيم. كما يضعف الحاجز المخاطي المبطن للأمعاء، ما يسمح بتسرّب السموم وتحفيز تكوّن الأورام.
وأشار التقرير إلى أن بعض السلالات الضارة، مثل تلك التي تنتج مركب الكوليبكتين (مركب كيميائي تنتجه بعض سلالات بكتيريا الإشريكية القولونية (E. coli))، يمكن أن تُحدث طفرات تساهم في تطور السرطان. ويأتي ذلك في ظل تحذيرات متواصلة من تزايد السلالات البكتيرية المقاومة للمضادات الحيوية، التي بات يطلق عليها "البكتيريا الخارقة".
ويأمل العلماء أن تساعد نتائج الدراسة في تطوير استراتيجيات تحمي أو تعيد بناء ميكروبيوم صحي بعد العلاج، من خلال اختيار الأدوية والأنظمة الغذائية أو البروبيوتيك المناسبة، ليس فقط بناء على فعاليتها العلاجية، بل أيضا على قدرتها في الحفاظ على توازن الأمعاء.