الصفحة الرئيسية / شقيق كاظم الساهر: السوداني رجل دولة والعراقيون يخشون عليه من "الشياطين"

شقيق كاظم الساهر: السوداني رجل دولة والعراقيون يخشون عليه من "الشياطين"

بغداد- ميل  

كتب أستاذ التاريخ الحديث وشقيق الفنان كاظم الساهر، د. حسين جبار ابراهيم، مقالا أثنى فيه على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مشيراً إلى أنه بعيد عن الطائفية وأثبت انه رجل دولة وليس تابعا لإرادات خارجية، فيما لفت إلى أن العراقيين يلاحظون فارقا كبيرا بينه وبين من سبقوه، ويخافون على حياته ممن وصفهم بـ"الشياطين" المحيطين به. 

وفيما يلي نص المقال:

منذ سقوط نظام صدام عام 2003، دخل العراقيون في دوامة سياسية بدأت مع مجلس الحكم سيئ الصيت الذي أسسه بول بريمر، وامتدت عبر سلسلة من رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على السلطة: إياد علاوي، إبراهيم الجعفري، نوري المالكي، حيدر العبادي، عادل عبد المهدي، مصطفى الكاظمي.

عاش العراقيون مع هؤلاء عقدين من التقلبات والخيبات، وتحملوا الكثير من الوعود الكاذبة والتجارب الفاشلة والخيارات الكارثية التي أضعفت الدولة واثارت الطائفية وعمقت الفساد وفتحت الباب للتدخلات الخارجية

كانت ثقة المواطن تتآكل عاماً بعد آخر وهو يرى أن حكوماته لا تقوده نحو الاصلاح، بل تزيد من هشاشة الدولة وضياع هيبتها والانتقاص من سيادتها. اثنان فقط من اولئك الرؤساء، امتلكا قدراً من الوطنية والفكر الحر والنوايا الطيبة، وحاولا الابتعاد عن نهج الفساد الذي كاد يهلك البلاد، فقد حاول كل من إياد علاوي ومصطفى الكاظمي أن يقتربا من فكرة الدولة المدنية وأن يخففا من وطأة الفوضى التي فرضتها (قوى الأمر الواقع). لكن تلك المحاولات بقيت ناقصة، لأن أصحابها لم يمتلكوا القوة لمواجهة الشبكات العميقة المغروسة في جسم الدولة، ولا الشجاعة الكافية للصدام مع مراكز النفوذ التي فرضت إرادتها على الحكومات المتعاقبة بدعم واسناد خارجي. ولهذا استسلم اصحاب تلك المحاولات سريعا ودون أن يتركوا أثرا واضحا في بنية الدولة أو في حياة الناس.

حين رُشح "محمد شياع السوداني" لرئاسة الحكومة، نظر اليه كثير من العراقيين بعين الريبة والقلق، وهذا امر طبيعي ناتج عن تراكم التجارب المريرة مع الرؤساء السابقين. وقد اعتاد المواطن العراقي أن يخاف من رئيس الحكومة، لا أن يحترمه أو يضع امله فيه. لكن الأشهر الاولى من ولاية السوداني كشفت شيئا مختلفا. فالرجل لم يرفع شعارات طنانة، بل بدأ بقرارات ومشاريع وإجراءات واضحة وملموسة: اهتم بالزراعة والصناعة، وبمشاريع اعادة الاعمار وتطوير البنى التحتية. بل اتضح انه يملك رؤية بيئية لم يسبقه اليها احد من الرؤساء. وقام بمواجهة حقيقية، وإن كانت حذرة، مع الفساد المتجذر. كما امتلك لغة سياسية هادئة بعيدة عن الطائفية والتخندق. اتضح انه رجل دولة وليس زعيما طائفيا أو تابعا لإرادات خارجية. كما كشف من خلال سياساته عن عقلية متفتحة ومسار وطني واضح، وحرص عملي على انجاز ما يمكن انجازه في بلد أثقلته السياسات الفاشلة. هذه الملامح جعلت العراقيين يلاحظون فارقا كبيرا بينه وبين من سبقوه.. وهنا حدث التحول الجوهري: فلم يعد الخوف من رئيس الحكومة قائما أو مبررا، بل حل بدلا منه الخوف عليه! فالناس الذين تجرعوا مرارة الفساد وسوء الادارة منذ عام 2003 اعتادوا أن تكون السلطة جزءاً من المشكلة. لكنهم وجدوا أنفسهم ولأول مرة، يخشون على حياة رئيس وزراء يحاول أن يكون جزءاً من الحل، أو الحل نفسه.

هذا القلق الشعبي الجديد لم يأت من فراغ، بل من إدراك عميق بأن الرجل محاط بشبكات نفوذ ومصالح ضخمة، قادرة على إعاقة أي خطوة إصلاحية، أو إعاقته هو شخصياً. العراق دولة لا يسهل حكمها، وبيئة سياسية لا تسمح بسهولة لأي مشروع تنموي أن ينمو. وهنا بالضبط يتجسد الخوف من استنزافه داخل صراعات القوى. أو أن يتم تحجيمه أو إسقاطه. أو أن تتغلب “الشياطين” التي تحيط به على إرادته وقدرته.

لقد انقلب المشهد تماماً: من مرحلة كان فيها العراقي يخاف من السلطة، إلى مرحلة يخاف فيها على شخص يحاول أن يفعل لوطنه وشعبه ما عجز الآخرون عن فعله.

القلق ليس فقط على شخص السوداني وحده، بل على بنية الدولة وطريقة عمل النظام السياسي. فالمشكلة ليست في الأفراد بقدر ما هي في البيئة السياسية التي قد تعيق أي مشروع إصلاحي مهما كانت نيات صاحبه. ومع ذلك فإن التجربة الراهنة تمنح العراقيين نافذة أمل صغيرة بأنّ الدولة تستطيع أن تستعيد عافيتها

لقد مرّ العراقي بتجارب جعلته يشك في كل وعد حكومي، ويخشى ويكره كل سياسي فيها، ويرى في كل حكومة امتدادا للفشل. ولكن جاءت تجربة السوداني، فقدمت للذين ما زالوا يحلمون بالعراق الطبيعي شعورا مغايرا بأن ثمة من يحاول باخلاص، وأن ثمة مشروعا يمكن أن يكتمل، وأن الخوف من السياسي قد يتحول للخوف عليه إذا لمس الناس صدقه وامانته ووطنيته. وبين الخوفين تتحدد هذه الايام ملامح مرحلة جديدة قد تكون نقطة تحول في مسار الدولة العراقية، إذا ما قُدر لها أن تثبت امام قوى الجهل والتخلف والتبعية.

اليوم, 11:36
العودة للخلف