بغداد- ميل
اعتبر الباحث بشؤون الارهاب توماس رينارد ان الغرب ارتكب أخطاء بتعاطيه مع موجة الارهاب التي ضربت العراق وسوريا، والعالم، والمتمثلة بتنظيم داعش، حيث انه كان بامكانه الحد من تدفق المقاتلين من أوروبا للالتحاق بصفوف التنظيم في هاتين الدولتين، ثم الإخفاق حتى الآن في معالجة مشكلة المقاتلين السابقين وابنائهم المحتجزين في مخيمات وسجون في المنطقة.
قال رينارد في مقابلة ترجمتها وسائل اعلام: ردا على سؤال حول وجود تشابه بين الحركات الارهابية في القرن الـ19 ، والارهاب الاسلامي منذ أواخر القرن الـ20، ؛ إن "لكل مقارنة حدودها، الا ان هناك بعض أوجه التشابه المثيرة للاهتمام. كان الإرهاب الفوضوي جزءا من موجة عالمية من الإرهاب، وهو ما أثر على العديد من الدول حول العالم، تماما مثل الارهاب الاسلامي في الوقت الحاضر".
ولفت رينارد الى اوجه تشابه مثيرة للاهتمام "،مشيراً الى أن "مفاهيم مثل العلاقة بين الجريمة والإرهاب حيث انه في القرن الـ19 كان للعديد من الإرهابيين الفوضويين تاريخ إجرامي.
وتابع انه بينما كانت دعاية الفوضويين تشيد بـ "الحق في السرقة" فان المفهوم عند داعش كان يسمى "الغنيمة".
واضاف ان بعض تقنيات مكافحة الارهاب الأكثر فاعلية اليوم مثل عمليات الاختراق من جانب الشرطة أو حظر الدعاية او حيازة اسلحة معينة او التعاون الدولي، هي تقنيات كان يجري استخدامها بالفعل الى حد كبير ضد الفوضويين في القرن الـ19.
ولفت ايضا الى انه كان جرى تنبي قوانين خاصة بمكافحة الإرهاب كالذي جرى في فرنسا بين العامين 1893 و 1894، مضيفا أن "التاريخ يعيد نفسه".
وردا على سؤال حول أهمية وجود مجمع لـ"دراسات الارهاب"، قال رينارد؛ إن دراسات الارهاب تعود الى الستينيات من القرن الماضي، وهي حققت تقدما مهما خلال العقدين الماضيين، الا انه اشار الى ان معظم الاسئلة التي نطرحها على انفسنا اليوم هي ذاتها التي طرحها "الاعضاء المؤسسون".
وتابع قائلا؛ إن النهج في هذا السياق أصبح أكثر تنظيما وتطورا، مضيفا أن العديد من الاسئلة الرئيسية في قد لا تتم الاجابة عليها بشكل كامل.
وحول احتمال ارتكاب الدول الغربية أخطاء في الرد على ظهور "خلافة" داعش، قال رينارد أن "العيبين الرئيسيين في الاستجابة الغربية يسبقان تاريخ الخلافة وما بعدها"، موضحا انه قبل حزيران/يونيو 2014 عندما اعلن زعيم داعش رسميا عن "الخلافة"، لم تكن الدول الغربية تفعل شيئا يذكر من اجل اكتشاف التطرف العنيف ومنع الشباب من السفر الى منطقة الصراع.
وأوضح رينارد انه كان بالامكان تقليل عدد المقاتلين الأجانب الذين يسافرون الى سوريا والعراق.
أما الخطأ الثاني براي رينارد، فانه بعد سقوط "الخلافة" في العام 2019، كان بإمكان حكومات الغرب التوصل الى حل لطي هذه الصفحة بشكل نهائي، وتقديم جميع المسلحين الأجانب الى العدالة، ودعم اعادة إعمار سوريا والعراق، إلا أنه بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، لا يزال المقاتلون الأوروبيين، وكذلك الاطفال، محتجزين في المنطقة.
وقال رينارد "هذا خطأ أخلاقي، وهو يعكس سياسة سيئة، لأنها تسبب المزيد من انعدام الاستقرار بدلا من تحقق الأمن".
وفيما يتعلق بتركيزه في كتابه على بلجيكا، قال رينارد أنها تمثل "حالة دراسية مثيرة للاهتمام لعدد من الاسباب، اولا لان لديها عدد كبير من المواطنين الذين سافروا الى سوريا والعراق منذ العام 2012 ، وهي لديها اعلى نسبة من المقاتلين الأجانب قياسا بعدد السكان في أوروبا الغربية".
وأضاف الخبير الاوروبي؛ ان "بلجيكا كانت اول دولة اوروبية هاجمها مقاتل اجنبي عائد من سوريا (في العام 2014)"، مشيرا إلى أن بلجيكا تأثرت كثيرا بالموجة الجهادية الاخيرة.
ثانيا، قال رينارد إنه على عكس بعض الدول الاوروبية الاخرى، تعود تجربة بلجيكا مع الارهاب الاسلامي الى اواخر الثمانينيات، وهو ما اتاح امكانية دراسة تطور الاستجابة لمكافحة الإرهاب على مدى فترة زمنية أطول.
ورأى رينارد؛ أن "هناك العديد من الجوانب الايجابية في تطور مكافحة الإرهاب، ولكن هناك أيضا مخاوف خطيرة للغاية".
وحول تعاون الاتحاد الأوروبي مخابراتيا، قال رينارد إنه من اللافت للنظر "مدى تعميق التعاون الدولي، وخصوصا التعاون الأوروبي خلال العقد الماضي، حيث تطورت كمية البيانات والمعلومات والاستخبارات التي يتم مشاركتها على المستوى الأوروبي بشكل كبير".
واعتبر رينارد ان هذا التعاون العابر للحدود اوروبيا " تطور مهم وربما لم يكن ليحدث لولا عصر الخلافة". واضاف انه "تم وضع أدوات وبروتوكولات مفيدة يمكن تفعيلها واستخدامها من قبل الدول الأعضاء على أساس الحاجة. هذه بالتأكيد قوة جديدة في البنية العالمية لمكافحة الإرهاب".
وردا على سؤال عما إذا كان بمقدور بلجيكا التعامل بشكل افضل او اسوأ، قانونيا واجتماعيا، مع عودة مقاتلي داعش الأجانب، قال رينارد "هناك جانبان لهذا السؤال. فاولا ، فيما يتعلق بمقاتلي داعش الذين ما زالوا في سوريا والعراق، فإن بلجيكا اصبحت الآن مجهزة بشكل جيد لمقاضاتهم وادارتهم في السجن والعمل على إعادة تأهيلهم ومراقبتهم بعد صدور الحكم".
وتابع حول الجانب الثاني، قائلا إنه يتعلق باستعداد بلجيكا لاستباق ومنع الموجات المستقبلية من المقاتلين الأجانب.
وحذر من أن تعبئة المقاتلين المتطوعين الأجانب للانخراط في حرب أوكرانيا، تشير إلى ان الأجهزة الأمنية لا تزال في حالة تأهب بالفعل، مشيرا إلى ان ذلك يشكل تحديا حقيقيا في حد ذاته، سواء لبلجيكا او لاي دولة اخرى.