ما زالت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان والحكومة البريطانية، تتعرضان للانتقاد بسبب تعاملهما مع أوضاع المهاجرين الذين عبروا القناة الإنجليزية في قوارب صغيرة؛ وانتهى الأمر بالعديد منهم بالبقاء في ظروف "غير إنسانية" و "مروعة" في ثكنات عسكرية سابقة ومركز تجهيز في مانستون في كنت.
اعترف وزير الهجرة روبرت جينريك، الأسبوع الماضي، في مقابلة مع قناة سكاي نيوز، أن الحكومة تلقت "اتصالاً أولياً يتعلق بمراجعة قضائية" بشأن ما يجري في المركز. تشير التقارير إلى أنه سيتم أيضاً طرح المزيد من التحديات القانونية المتعلقة بكيفية إدارة مركز مانستون تحت سلطة برافرمان.
في يومي الثلاثاء والأربعاء (1 و 2 نوفمبر / تشرين الثاني)، تم توفير حافلات لنقل ما يقدر بنحو 4000 مهاجر كانوا في المركز خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى مواقع أخرى أكثر ملاءمة.
وفي يوم الأربعاء أيضاً، اعترف جينريك - الذي يعمل تحت إشراف برافرمان في وزارة الداخلية - على القناة التلفزيونية البريطانية ITV أن 3500 مهاجر على الأقل ما زالوا في مانستون وأن الأمر سيستغرق "حوالي سبعة أيام" للوصول إلى "المستوى المقبول من كثافة المقيمين". وتبلغ سعة الموقع في مانستون 1600 شخصاً.
ومساء الأربعاء أيضاً، ظهرت مزاعم من جمعيات خيرية مختلفة للمشردين في لندن بأن بعض هؤلاء المهاجرين قد نُقلوا على ما يبدو إلى وسط لندن وتركوا هناك لتدبر أمورهم بأنفسهم.
وأفادت وكالة أنباء رويترز وصحيفة غارديان وبي بي سي أن بعض المهاجرين على الأقل الذين تم نقلهم بالحافلات من مانستون يبدو أنهم تركوا في وسط لندن في حيرة من أمرهم وليس لديهم مكان يذهبون إليه. وقالت صحيفة غارديان على تويتر إن وزارة الداخلية تنفي الاتهام.
ونشرت صحيفة الغارديان صوراً وشهادات لعمال من مؤسسة "تحت شمس واحدة" Under One Sky الخيرية أنهم عثروا على "مجموعة من 11 طالب لجوء من مانستون، تُركوا في محطة سكة حديد فيكتوريا مساء الثلاثاء بلا مكان للإقامة، ومن دون ملابس تقيهم برد الشتاء، فيما كان الكثير منهم يرتدون شباشب منزلية". وقالت المنظمة الخيرية إنها زودت المجموعة بإمدادات طارئة من الطعام والملابس.
وأوضح أحد المتطوعين في الجمعية الخيرية - دانيال عباس - لصحيفة الغارديان أن المهاجرين "يعانون من الإجهاد والاضطراب والارتباك التام". قال إن بعض الرجال، وهم من العراق وأفغانستان وسوريا، لفوا أنفسهم في بطانيات للتدفئة وكانوا جائعين.
وقال شاهد عيان آخر لصحيفة الغارديان إنه رأى مجموعة من حوالي 50 طالب لجوء تم إيداعهم في وسط لندن في وقت متأخر من مساء يوم السبت. قال إنهم ما زالوا يتساءلون ماذا سيفعلون في منتصف الليل.
وقال أحد أفراد المجموعة المكونة من 11 شخصاً، وهو طالب اقتصاد من العراق يبلغ من العمر 29 عاماً، لصحيفة الغارديان إنهم نُقلوا بالحافلات إلى لندن يوم الثلاثاء في مجموعة من 40 شخصاً، أما بقية المجموعة فقد كان لديها عائلة أو أصدقاء في لندن وقد ذهبوا إليهم.
قال الرجل إنه قال للسائق إنه لا يعرف أحداً، وليس لديه نقود لدفع ثمن سرير في الليلة، لكن قيل له إنه يتعين عليه النزول من الحافلة على أي حال. يقول متطوعو Under One Sky إنهم أنفقوا حوالي 450 جنيهاً إسترلينياً لشراء ملابس دافئة للرجال، قبل الاتصال بوزارة الداخلية لسؤالهم عما يجب فعله.
قيل لهم - وفقًا لتقارير الغارديان - إن ما حدث كان "خطأ تشغيليًا" وبعد ثماني ساعات من وصول الرجال إلى لندن، تم إرسال سيارات أجرة لنقلهم إلى فندق في نورويتش يقال إنه يأوي طالبي لجوء آخرين.
أكد الموظفون في محطة فيكتوريا أنهم كانوا يحاولون أيضاً المساعدة في العثور على أماكن لطالبي اللجوء والمهاجرين للبقاء عند وصولهم إلى المحطة، حسبما ذكرت صحيفة الغارديان. وقال عباس لبي بي سي إنه سمع تقارير غير رسمية تفيد بأن المجموعة التي وجدها لم تكن هي الوحيدة، وإن عدة مجموعات من المهاجرين تُركت في لندن منذ مساء السبت، بعد نقلها من مانستون.
وعلى حسابها على تويتر، وصفت مؤسسة Care 4 Calais الخيرية، التي كانت توثق حالات تم فيها التخلي عن المهاجرين على ما يبدو بعد مغادرة مانستون، ما حدث بأنه "وصمة عار وطنية".
وفي الأيام القليلة الماضية، كان السير روجر جيل، النائب المحلي عن حزب المحافظين في كينت، يغرد على تويتر حول هذه القضية في دائرته الانتخابية. كما وصف الوضع في 30 أكتوبر/تشرين الأول بأنه "غير مقبول" وقال: "ما كان ينبغي السماح بتطور هذا الوضع".
صُمم المركز لاستيعاب 1600 مهاجر كحد أقصى لمدة لا تزيد عن 24 ساعة، لكن ظهرت تقارير تفيد بأن العديد من آلاف المهاجرين المقيمين هناك قد احتُجزوا في خيام وظروف غير مناسبة لأيام، إن لم يكن أسابيع.
وبحسب ما ورد من معلومات فإن بعض المهاجرين كانوا هناك لأكثر من أربعة أسابيع. قال مجلس اللاجئين في المملكة المتحدة إن أحد الأطفال أصيب بالجرب في المركز بعد أن مكث هناك لمدة 19 يوماً، كما تم الإبلاغ عن العديد من حالات تفشي مرض الدفتيريا في المركز.
كما نشر رئيس مجلس اللاجئين في المملكة المتحدة، إنفر سولومون، مقال رأي في صحيفة الغارديان، اتهم فيه برافرمان وحكومة المملكة المتحدة بجعل الوضع أسوأ. ليس فقط من خلال "لغتهم الملتهبة" في اتهامهم للمهاجرين بـ "غزو" بريطانيا، كما فعلت برافرمان، ولكن أيضاً بعدم التخطيط بشكل صحيح لاستقبال الأعداد التي عبرت القناة هذا العام.
في الواقع، في نهاية العام الماضي، تم تحذير الوزراء مراراً وتكراراً، وأشار سولومون إلى أنهم يمكن أن يتوقعوا عبور ما يصل إلى 60 ألف مهاجر القناة في عام 2022. وحتى الآن، فإن الأرقام تزيد عن 39 ألف مع بقاء شهرين حتى نهاية السنة.
وأضاف سولومون أن الدافع السياسي للمشاكل التي تواجهها الحكومة الآن في إيجاد سكن مناسب للمهاجرين وطالبي اللجوء كان "الاعتقاد السائد لدى حكومة المحافظين بأن أولئك الذين يبحثون عن ملاذ في هذا البلد ليسوا فقط غير مستحقين بل يخالفون القانون، على الرغم من عدم وجود أي شيء غير قانوني في طلب اللجوء في أي بلد، ويتم منح ثلاثة أرباع أولئك الذين يطلبون اللجوء في المملكة المتحدة وضعية حماية اللاجئين".
ومع ذلك، فإن وجهة نظر المحافظين - وفقًا لسولومون - هي أن هؤلاء الأشخاص "يجب أن يعاملوا بعدائية، ثم يُطردون إلى رواندا. وبالتالي، يتم إهمال نظام اللجوء عمداً بل وزيادة صعوبته على أمل أن يكون بمثابة رادع".
قال كبير مفتشي السجون، تشارلي تايلور، الذي زار مؤخراً مرافق الاستقبال في دوفر - حيث وصل العديد من الذين يعبرون القناة الإنجليزية في البداية - إن حكومة المملكة المتحدة بحاجة إلى تكثيف خططها للطوارئ و "السيطرة".
ويوجد الآن أكثر من 100 ألف طالب لجوء في المملكة المتحدة لا يزالون ينتظرون قراراً أولياً بشأن طلب اللجوء الخاص بهم. وبحسب العديد من العاملين في مجال حقوق المهاجرين واللاجئين، يمثل هذا الأمر المشكلة الحقيقية في بريطانيا، وليس الأعداد التي تعبر القناة، أو حتى أولئك الذين يتقدمون بطلبات اللجوء، والتي لم تتزايد بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية.