الاقتصاد الريعي في العراق

الاقتصاد الريعي في العراق

+A -A
  • 29-01-2023, 20:40
  • 162 مشاهدة
  • اراء ومقابلات

كتب .. سيف نايف

لا يمكن لبلد مثل العراق أن يمر بحالة من الاستقرار في أوضاعه السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأمنية، فعند تجاوزه لوضع معين سيدخل البلد بأزمة أخرى لكن هذه الازمات ليست وليدة اليوم بل هي أزمات تراكمية بدأت بالتجمع شيئاً فشيئاً الى أن انفجرت، فبعد تجاوز العراق ازمة الانسداد السياسي بانسحاب أنصار التيار الصدري من العمل السياسي وتصدر الاطار التنسيقي وحلفائه قيادة البلد ووصول محمد شياع السوداني الى هرم السلطة بدأت الازمة الاقتصادية تلوح في الأفق بداية من كون العراق كبلد ذو اقتصاد ريعي الى ارتفاع سعر الصرف.
اذ يبدو ان الازمة الاقتصادية التي يمر بها العراق ستكون المعركة الحاسمة التي تخوضها الحكومة في تحديد مساراتها المستقبلية بالاعتماد على البرنامج السياسي الموضوع من قبل السوداني لحل الازمة ومدى تطبيق هذا البرنامج في ظل نظام المحاصصة وكيف سيساعد البرلمان والأحزاب التقليدية السوداني في حل الازمة.
إن الاقتصاد الريعي هو اعتماد دولة على مورد اقتصادي واحد وهذا ما موجود في اغلب الدول النفطية لعل أبرزها العراق اذ تعتمد الحكومة العراقية على النفط بشكل اساسي في ايرادها وتكتفي بهذه العائدات دون ايجادها البديل لذلك، اذ تخطّت عائدات عام 2022 النفطية في العراق 115 مليار دولار، وفق أرقام أولية أصدرتها وزارة النفط، وهي الأعلى منذ التراجع الكبير في أسعار النفط خلال فترة انتشار فايروس كورونا، ويأتي تحقيق العراق لهذه الإيرادات في ظل ارتفاع سعر برميل النفط تأثراً بالأزمة الاوكرانية ومع إبقاء دول منظمة أوبك بلاس على حصص إنتاجها كما هي، وكانت المنظمة قد قررت خفض انتاجها بنسبة مليوني برميل في اليوم لدعم الأسعار، وتعتمد الحكومة العراقية في موازنتها بشكل كبير على سعر برميل النفط والعائدات النفطية، في بلد يواجه ازمات اقتصادية ويحتاج إلى مشاريع بنى تحتية عديدة.
وعند قراءة مقترح الموازنة العامة لعام 2023 نجد بأن العراق سيستمر في هذه السنة بالاعتماد على النفط ايضاً، أذ ان النفقات العامة في الموازنة تقدر بنسبة 180 ترليون دينار اعتمد منها على 122 ترليون دينار من الإيرادات النفطية فستكون مساهمة النفط في الموازنة تقدر بنسبة 90% من مجموع الإيرادات، لكن هذه الإيرادات النفطية وغير النفطية الأخرى المشكلة للأيراد السنوي الحكومي غير كافية لسد كافة الانفاقات، وبحسب تصريح لعضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي معين الكاظمي قد اكد وجود عجز في الموازنة تتراوح نسبته من 20 الى 40 ترليون دينار، قد يكون هذا العجز الأعلى في تاريخ الموازنات العراقية.
ويتصور البعض أن الاقتصاد الريعي يسهم في تحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي وسياسي وانخفاض نسبة الفقر في البلد المعتمد لهذه السياسة الاقتصادية، لكن الامر في العراق مختلف لان الأسباب وراء عدم تصدر العراق الريادة في المنطقة بتحويل النفط الخام الى منتجات نفطية وبتروكيماوية وصناعات أخرى تعتمد على النفط لم تعد خافية على أحد بل كانت الأسباب ومراميها معروفة ومدبرة شاركت بتنفيذها دول إقليمية ودولية بالتعاون مع الأحزاب السياسية التي تهدف الى تحقيق مصالحها الذاتية لا المصلحة الوطنية فضلاً عن كون رؤساء الحكومات مشخصين للأزمات لا معالجين لها فضلاً عن استشراء الفساد في كل مفاصل الدولة كان نتيجة ذلك إيقاف نهضة العراق وتقدمه في المجالات المختلفة، ليصل به الحال الى الوضع المتردي الحالي
لذا فإن اعتماد العراق على النفط بشكل أساسي وعدم قدرة النفط على سد حاجات البلد وتوفر عجز كبير في الموازنات، وانخفاض سعر النفط ابان جائحة كورونا لم يتبقى امام الحكومة السابقة سوى اللجوء لجأت إلى تقليل قيمة العملة المحلية بعد أن حافظت على سعر 1200 دينار للدولار الواحد، في سبيل تأمين النفقات الداخلية، مع تراجع قيمة واردات البلاد النفطية إلى أقل من النصف، وقد اكد وزير المالية السابق عبد الأمير علاوي أن هذا التغيير في قيمة الدينار العراقي سيكون لمرة واحدة فقط ولن يتكرر، وسيدافع البنك المركزي عن هذا السعر واستقراره بدعم من احتياطاته الأجنبية التي لم تزل بمستويات رصينة تمكنه من ذلك.
الجدير بالذكر أن أغلب السياسيين العراقيين لا يدركون معنى التصريحات ويتناسوها، فلم تتمكن وزارة المالية أو البنك المركزي أو حتى الحكومة من السيطرة على ارتفاع سعر الصرف، فعبد فرض وزارة الخزانة الامريكية العقوبات الاقتصادية على العراق في نوفمبر 2022، بإصدار أمراً بتقييد عمل أربعة بنوك تجارية خاصة في العراق، بحجة قيامها بالتعامل مع دولاً وحركات معاقبة، أدى ذلك الى ارتفاع سعر الصرف بشكل مبالغ فيه نتيجة شحة الدولار في السوق العراقية واحتياج التجار الحقيقين للعملة بعد معاقبة المصارف المسؤولة عن طرح الدولار في السوق.
لذا فإن استمرار الاعتماد على النفط كمورد وحيد للدولة يعتبر هذا الامر خاطئاً في نظاماً سياسياً كالعراق وهو الان على اعتاب ان يصل الى نسبة 5 مليون موظف حكومي بين مدنياً وعسكرياً، فلابد من تنشيط حقيقي للقطاع الخاص وإدخال إصلاحات عميقة في مختلف الأنشطة الاقتصادية وتقليل دور الدولة في إدارته وهيمنتها عليه وتخليصه من الريعية وصولاً الى تحديثه وتنشيطه وربطه بالاقتصاد العالمي، لا حل سريع في الأفق يجنب البلد انهياراً اقتصادياً حتمياً.