الفساد يعطل قوة نفاذ القواعد القانونية

الفساد يعطل قوة نفاذ القواعد القانونية

+A -A
  • 6-02-2023, 20:40
  • 153 مشاهدة
  • اراء ومقابلات


كتب .. هادي عزيز علي

يعرف القانون عادة بأنه : (مجموعة القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك وعلاقات الاشخاص في المجتمع ويلزم مخالفها الجزاء). ومن هذا التعريف يلاحظ وجوب تمتع القاعدة القانونية بالاختصاص الشامل والنفاذ المطلق لكي تعمل في الوسط الاجتماعي المزمع تنظيم العلاقات فيه .
وعندما نقول خضوع الاشخاص فان المقصود بذلك الاشخاص الطبيعيين والمعنويين على حد سواء وهذا يعني خضوع الدولة لحكم القانون باعتبارها شخصا معنويا اسوة بخضوع الافراد وهذا الخضوع هو الذي يطلق عليه (سيادة القانون). لما تقدم ولما كانت القواعد القانونية معنية بتنظيم السلوك فيجب والحالة هذه وجود سلطة تضبط ايقاع ذلك السلوك لكي يكون صحيحا اي ان يكون منسجما والاحكام التي تضمنتها وحددتها تلك القواعد القانونية وهذا ما يطلق عليه مبدأ (المشروعية) ويلاحظ هنا ان المشروعية تتعلق بالقواعد القانونية حصرا ولا تشمل القواعد الاخرى (الاخلاقية او الدينية) لان الاخيرتين لم تصنعهما الدولة وغير مقترنتين بجزاء قانوني.
ممارسة السلطة يوجب المرور على عناصرها، وبيان الذي يقبض على السلطة والذي يخضع لها والوسائل المتبعة لانفاذ القواعد القانونية من خلال الدورالمرسوم لحركتها في المجتمع فضلا عن توزيع السلطة (الفصل بين السلطات) التشريعية والتنفيذية والقضائية الذي يجب ان يقترن بالتوازن بين السلطات شرط ان تكون نشاطاتها محكمومة بسيادة القانون وليس محكومة بالقانون وحده لان بعض النظم السياسية غير الديمقراطية يمارس فيها السياسيون السلطة من خلال القوانين في حين لايخضعون انفسهم لتلك القوانين ولسيادة القانون اشتراطاتها على المستوى الوطني وهي : 1- ان يكون قانون اساس يحدد السلطات في الدولة. 2 – الوضوح في النصوص القانونية ووصولها للكافة تحقيقا لمبدأ : (لايفترض جهل الشخص بالقانون). 3 –على البرلمانيين ان يجيدوا العملية التشريعية والصياغة القانونية والرقابة 4 – ان لا تتجاوز الحكومة سلطاتها القانونية. 5 – توزيع السلطات. 6 – تكون السلطة القضائية مستقلة نزيهة وذات سلوك مهني رصين وان يحترم السياسيون احكام القضاء بمواصفاته تلك وان الوصول للعدالة يجب ان يتم باقل التكاليف واقصر المدد. 7 – يمكن تخفيف حمل العبء عن المؤسسة القضائية بايجاد سبل لحل النزاعات كالتحكيم مثلا 8. – على الموظفين المكلفين بانفاذ القانون تطبيقه على وفق ما انصرفت اليه ارادة المشرع. 9 – ضبط ممارسة السلطة لنشاطها ويتم ذلك من خلال خضوعها للقانون نفسه وطاعته.
ولكن قد تتراخى السلطة في تطبيق القانون، اوقد تخضع تطبيقه الى خيارات ورؤى مخالفة لمضمونه او لا تطبقه في جزء منه خلافا لوحدة التشريع، او ان تطبقه بشكل معيب او منحرف، او ان تتصرف في غياب القانون فتفرض عقوبات او تعزيرات لا مرجعية قانونية لها اوان تمنح مزايا ومصالح من دون سند قانوني وخلاصة الامر ان مثل هذه السلطة التي تتخذ معايير مخالفة للاحكام القانونية النافذة وتوغل في عدم الاكتراث بالقانون وعدم طاعته تفقد صفتها الضامنة لقوة نفاذ القواعد القانونية لا بل قد يصل بها الامر الى عدم طاعة القانون. وهنا يتجسد دور السلطة التشريعية في الرقابة وخلال الاليات المعتمدة من قبلها. وهنا ايضا ينهض دور السلطة القضائية النازع نحو اعادة تلك السلطة الى بيت الطاعة وبخلافه فان الخروج عن احكام القانون يفضي الى انهيار الدولة والعبث بحقوق مواطنيها وهدر أموالها وانتشار البطالة والجوع وفقدان مقومات الحياة الاساسية المطلوبة.
وكوقائع على سبيل المثال لا الحصر نورد ثلاثة امثلة تمكنت فيها السلطة من تعطيل قوة نفاذ القواعد القانونية او التعطيل الجزئي لها اوغيبت تطبيقها –
1 ـ ان قانون أصول المحاسبات رقم 28 لسنة 1940 الملغي وملحقه الذي بقي نافذا بموجب امر سلطة الائتلاف المؤقته رقم 94 لسنة 4004 وقانون الادارة المالية رقم 24 لسنة 2019 كلها تتضمن لزوم تقديم الحسابات الختامية للانشطة التي تضمنتها قوانين الموازنة منذ العام ٢٠٠٣ ولحد الان وهذا الالزام هو ما قصد به (قوة نفاذ القاعدة القانونية) ومعلوم ان قوة نفاذها معطلة لعدم تقديم الحسابات الختامية وهذا التعطيل افضى الى عدم قدرة الدولة على تعقب الاموال التي اختفت بقدرة قادر وكانت سببا في الوضع الاقتصادي المريع الذي نحن فيه.
2 ـ العقوبات الغليظة في نظامنا القضائي المتعلقة بالجرائم المخلة بالثقة العامة الواردة في الباب الخامس من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 منها الجرائم الماسة بالاقتصاد الوطني والثقة المالية للدولة الواردة في الفصل الخامس من الباب المذكور فضلا عن الباب السادس من القانون اذ نص فصله الاول على جريمة الرشوة والثاني على جريمة الاختلاس والثالث على جريمة تجاوز الموظفين حدود وظائفهم فضلا عن قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع رقم 30 لسنة 2011 المعدل الذي عرف قضية الفساد بانها : (دعوى جزائية يجري التحقيق فيها بشان جريمة من جرائم (سرقة اموال الدولة، الرشوة، الاختلاس، تجاوز الموظفين حدود وظائفهم وفق المواد " 328 الى المادة 331 والمادة 334 الى 336، 338، 340 ،341 " من قانون العقوات ) وفيها الجانب العقابي لجرائم الفساد سواء كانت الرشوة ام الاختلاس ام تجاوز الموظفين حدود وظائفهم الا ان الفساد تمكن وباصرار من تعطيل قوة نفاذ القواعد القانونية المتصدية لتلك الجرائم بدليل وجود جيش من الفاسدين يسرح ويمرح بوقاحة مطلقة امام أعين الناس .
3 ـ العقود : العقود بصفة عامة يحكمها الفصل الاول من الباب الاول من الكتاب الاول من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 (المواد من 73 الى نهاية المادة 183). وقدر تعلق الامر بالعقود العامة فهناك الشروط العامة لمقاولات الاعمال الهندسية المدنية بجزئين وتعليمات تنفيذ العقود الحكومية بجزئين للعام ٢٠١٤ فضلا عن امر سلطة الائتلاف المؤقتة المرقم 87 لسنة 2004 وبموجبه تم تاسيس دائرة العقود الحكومية العامة هذه المنظومة التشريعية وتاجها القانون المدني المتضمن احكاما حاسمة للذي يتخلف عن تنفيذ ما التزم به عقديا فضلا عن قوة النفاذ التي جاءت باسم "المسؤولية التقاعدية (ضمان العقد) " إضافة الى الاحكام المتعلقة بفسخ العقد والاثار المترتبة عليه اذ تضمن في العديد من نصوصها (قوة نفاذ القواعد القانونية)، وبجردة بسيطة يمكن الوقوف على عدد العقود الحكومية المبرمة والمسحوبة مبالغها في مقابل المنفذ منها لتصل الى سطوة الفساد المتمكن من التعطيل.