"أبو سعد" يقصُّ حكايا تأريخ العراق القديم لرواده المنتشين بطعم الشاي المهيِّل

"أبو سعد" يقصُّ حكايا تأريخ العراق القديم لرواده المنتشين بطعم الشاي المهيِّل

+A -A
  • 11-02-2023, 13:02
  • 267 مشاهدة
  • اراء ومقابلات

بغداد- ميل  

محمد الزيدي


لا يمكن لزائر مدينة السماوة التي تتميز بطيبة أهلها، مغادرتها من دون المكوث ولو قليلاً في مقهى "أبي سعدالشهير، واحتساء الشاي المهيِّل في ذلك المكان الذي يعده السماويون علامة من علامات الثقافة والتراث، مقهى يوثق لتاريخ المدينة الوادعة، ويوفر فضاءات تاريخية وفنية لمبدعيها.


كل ما في المقهى العتيق من صور ولوحات فنية ومقتنيات أثرية وتحف، تشي بمفردات الزمن الجميل، وتختزل عقوداً من تأريخ المدينة وتحولاتها، مكان تحول بمرور الزمن الى مقصد للمثقفين والأدباء، وظل وفيا لشكله وطرازه القديم، فلا يزال يستقبل زائريه بأقداح الشاي والأغاني العراقية القديمة، حتى صار فضاءً رحباً لتبادل الحديث والثقافة.


رمزية المكان


هو واحد من المقاهي التاريخية التي تأسست في خمسينيات القرن الماضي، ويعدُّ اليوم علامة من علامات الثقافة والتراث في المدينة، مقهى يوثق لتاريخ السماوة وصفحات من تاريخ ثورة العشرين التي انطلقت في رحاب السماوة.


يقول أبو سعد صاحب المقهى إن "المكان لم يكن في البدء سوى مقهى صغير يرتاده سكان المدينة وسط سوق عكد الحدادين، لكن سرعان ما انتقل إلى أماكن أخرى لتستقر في مركز المدينة" مشيراً إلى أن "المقهى يوثق لتاريخ المدينة وما شهدته من ثروات متلاحقة".


وحسبما يقول أبو سعد، فإن المقهى حظي بزيارة العديد من الشخصيات المعروفة في السماوة والحكومات المحلية التي تعاقبت على حكم المدينة، ولا تزال تستقبل بشكل متواصل مختلف الطيف السياسي في المدينة، وغدا مكاناً لنقاشات سياسية تتصل بواقع الناس، مضيفاً أن "المقهى يضم صوراً قديمة لعدد من شيوخ المدينة وزعمائها يعود تاريخها إلى 1919، وصوراً أخرى لأشهر القصور فيها وأهم المعالم التاريخية وكورنيش المدينة، ووقائع زيارة الملك فيصل إلى السماوة".


إلى ذلك يقول المعلم المتقاعد يحيى السماوي أحد مرتادي المقهى بأنه "يجذب منذ عشرات السنين رواد العراق في السياسة والفن والفكر والأدب، وهو بمثابة ارشيف حي لعظماء السياسة والفن والتأريخ العراقيين".


ووفقاً للسماوي فإن الفضل في الحفاظ على المقهى التاريخي يعود لمالكه الذي يجوب المحافظات والمدن بحثاً عن صورة تؤرشف تاريخ السماوة، ويحرص دائماً على اظهاره بالشكل اللائق الذي يحافظ على الأصالة والتاريخ".


ويضيف: "يحرص صاحب المقهى على توثيق تاريخ المدينة على الجدران والاحتفاظ بصور فريدة من نوعها، وذلك الذي جعله محط اهتمام السماويين الذين يجدون في الجلوس على أرائكه متعة خاصة لا يمكن تجاوزها.


ومنذ زمن ليس بالقريب شهدت المدن العراقية افتتاح عدد من المقاهي التي ظلت عالقة في أذهان الناس، ويعد "خان جغان" أول مقهى عرفته العاصمة العراقية بغداد، شُيِّد في العام 1952 خلال حُكم أول الولاة العثمانيين، وكان يحمل الاسم الأول لوالي بغداد جغالة زاده سنان باشا. 


ومع تعاقب السنين شهدت العاصمة بغداد افتتاح العديد من المقاهي الشعبية الشهيرة التي تنتشر في جانبيها، ومن تلك المقاهي مقهى الزهاوي ومقهى حسن عجمي، والشابندر، أم كلثوم، الكسرة، عزاوي، الأونديشي، ورضا علوان وعيون بغداد وغيرها الكثير، حتى قيل إن بين كل مقهى ومقهى مقهى آخر.


اهتمام شعبي بالمكان 


وفي مدينة السماوة يقال إن زائرها إذا لم يقصد مقهى "ابو سعد" كأنه لم يزر المدينة، فهو على رغم كراسيه وطاولاته البسيطة وأجوائه الشعبية البسيطة التي لا تتوفر فيها ما يتوفر في المقاهي العصرية، إلا أنه يملك سحراً خاصاً لا يفهم نكهته إلا من زار وجلس يرتشف الشاي في هذا المقهى الشهير.


وحسبما يقول عضو اتحاد أدباء المثنى الدكتور حسن البنا فإن المقاهي التاريخية في السماوة وغيرها تلقى اهتماماً شعبياً كبيراً، كونها تمثل فضاءات تعيش على أطلال التاريخ وأسماء الشخصيات التي كانت تملأها عطاءً وحضوراً وإشعاعاً. 


ويضيف قائلاً: "حافظ مقهى أبو سعد التاريخي على طابعه العمراني الذي شيد به أول مرة المتسم بالبساطة والهدوء، فضلاً عن شكل المقاعد وطاولات الجلوس، كما يمثل مكانه وسط السوق الشعبي محطا لرحال المتعبين الباحثين عن متعة التاريخ".


وفي الوقت الذي يؤكد البنا أن مثل هذا الأماكن تستمد قيمتها من البعد التاريخي التي تنتمي إليه ، في جو يغلب عليه العمق الفكري والحوارات الهادفة الذي تمتزج فيه المتعة بالفائدة بعيداً عن كل ما هو رسمي" يدعو إلى "الحفاظ على مثل هذه الأماكن وأن لا تطالها يد التغير كونها تمثل حقب تاريخية مهمة في حياة الشعب العراقي"، موضحا أن "أغلب المواقع التراثية والفلكلورية في العراق تعرضت للهدم والتخريب والتغيير وبالتالي ذهب معها تاريخ من الأحداث كانت تلك المواقع شواهد عليه".


تحذير من ثقافات دخيلة 


إلى ذلك يشيد عضو لجنة الثقافة والسياحة النيابية فاروق شمعون بـ"الدور الثقافي والحضاري الذي تؤديه مثل هذه الأماكن وترسيخها لقيم وتاريخ المجتمع"، محذراً من "خطر ثقافات دخيلة على المجتمع تحاول التلاعب بمقدراته".


وفي الوقت الذي يطالب فيه النائب بتحويل مثل تلك الأماكن إلى مراكز للمناسبات الاجتماعية المتنوعة لإحياء الامسيات الشعرية والتبادل المعرفي والثقافي والفكري، يدعو الحكومة العراقية إلى "ضرورة الحفاظ على المقاهي والبيوتات الثقافية لما لها من تاريخ مرتبط بالحقب والتقلبات السياسية والثقافية التي مر بها البلاد، وما تمثله من ارث ثقافي للعراق في مختلف الأزمان" .


شمعون يرى أن المقاهي لاتزال تمثل قصصاً حية تحكي أصالة الفلكلور العراقي الذي ما يزال صامدًا أمام الحداثة، وهي بمثابة شهود على تلك التقلبات التي مر بها العراق.


ويخلص البرلماني بالدعوة إلى الحفاظ على المعالم التاريخية والتراثية في المدن العراقية وحماية طرازها المعماري القديم خوفًا من اندثارها جراء الحداثة، موضحاً بأن الحفاظ عليها يمثل مسؤولية تضامنية يجب على الجميع النهوض بها".