ما بين أمريكا والصّين: تنافس أم صراع؟

ما بين أمريكا والصّين: تنافس أم صراع؟

+A -A
  • 12-02-2023, 20:08
  • 145 مشاهدة
  • اراء ومقابلات

كتب .. خالد العزي

بعد حادثة المنطاد الصيني الذي اكتشف محلقًا في سماء الولايات المتحدة في 2شباط/فبراير الجاري، والذي أسقِط بموافقة رئيس الدولة جو بايدن معتبرًا بأن عمل الصين هو عمل تجسسي بكل معنى الكلمة بينما اعتبرته الصين خطأ جويًا.

هذا الأمر دفع الولايات المتحدة للوقوف أمام نقاط كثيرة في سياسة الصين حيث اعترضت على تصرفاتها، ومن ضمنها إبحار سفنها البحرية العسكرية في منطقة الخليج العربي، ومحاولة المرابطة في الممرات المائية في الشرق الاوسط. مما أدّى ذلك إلى تأجيل زيارة وزير خارجيتها المقررة كانت بتاريخ 6 شباط/فبراير الجاري.

فهل يؤدّي دخول الصين إلى الخليج إلى مزيد من التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهل تنجح الصين بإقامة قواعد عسكرية لها في المنطقة مخترقة المقدسات الامريكية.

السياسة الصينيّة

لا شك بأنّ الاستراتيجية الصينية تقوم على ثلاث ركائز أساسية في التعامل مع المصالح الخاصة بها في الشرق الأوسط والمحيط الهندي وبحر الصين وهي كالآتي:


- اقامة علاقات مع دول هذه المنطقة بشكل جماعي أو ثنائي


- إعاقة مصالح الولايات المتحدة في المنطقة


- عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة


هدف الفلسفة الصينية التعامل مع مصالحها الاقتصادية والحفاظ عليها بالدرجة الاولى والابتعاد من المواجهات والردّ على الاستفزازات من أجل تنفيذ خطتها القائمة تأمين سير مشروعها الكوني الطريق والحزام الذي يربط العالم بطرق وجسور ومرافئ بحرية تعدها الصين سلفا.


لا شك بأنّ الصين تسعى للوصول إلى مصادر الطاقة في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى وليبيا وتأمين المرور في المنافذ البحرية لضمان وصول الطاقة التي تستهلك خمسين بالمئة من الإنتاج العالمي لصالح انتاجاتها واستخداماتها.


هذا يدفع الصين بالذهاب الى العلاقات الثنائية مع هذه الدول وتقديم حوافز ودعم اقتصادي لتركيز وجودها الاقتصادي والحفاظ على مروره ولاحقا التحول إلى نقاط أمنية وعسكرية تؤسس لبناء قواعد عسكرية ثابتة تساعد النفوذ، وتحمي الحركة التجارية والمواصلات إليها.


سياسة الصّين الاقتصادية


الفلسفة الصينية تقوم على التجارة والاستثمارات العالمية وفتح خطوط تجارية بكل الاتجاهات، وحتى أن الصين تملك أوسع تبادل تجاري مع امريكا وأوروبا فلذلك لا تريد الذهاب إلى مواجهة عسكرية تعتبر خاسرة، لو تم الاستحواذ على جزيرة تايوان المتنازع عليها، لأنّ الصين قرأت الدرس الروسي جيدا، وتحديدًا العقوبات القاسية على موسكو.


لقد وُضعت الصين أمام مشهد لا تريده ولا تحبذ الوصول اليه، لأنّ الذهاب اليه سيعطل طموحات الصين الاقتصادية حتى لو استطاعت السيطرة على تايوان عسكريًا، لكنها ستخرج مدمرة مكبلة بعقوبات من كل حدب وصوب، وعلاقتها التجارية لن تتطور وستخسر التعامل مع العالم الغربي وستخسر كل التكنولوجيات التي تصل إليها عبر السوق المستخدم في التصدير للخارج.


بل انها حاولت الاستمرار بخطتها القائمة على تدعيم الركائز الاقتصادية التي تحولها لاحقا الى دولة قطبية عالمية وخاصة بظل التراجع الذي يشهده العالم للنفوذ الامريكي وخاصة في المناطق الرخوة، مما دفعها لانتهاج سياسة تعبئة الخواصر الرخوة التي تساعدها ببناء جسور مع هذه الدول التي تخلّت عنها واشنطن باعتبار انها تعمل لبناء خطوط التواصل مع هذه الدول من اجل مشروعها عبر اقامة جسور وطرقات ومرافئ تساعد العالم كله على توفير عملية النقل وسرعة التواصل بالربط.


يشكل مفهوم الخاصرة الرخوة في العلاقات الدولية هي رسم صورة للمسيطر على هيكلية الإنتاج، والمتحكم في قيمه ومعاييره الاجتماعية،فهي أشبه ما تكون بشجرة زرعت في تراب، وهذا ما تقوم به السياسة الصينية في الدخول الى المناطق ذات الثروة الطبيعة التي تحتاجها الصين في صناعتها.


لذلك باتت الصين تتجه نحو الخليج العربي والدول العربية لبناء هذه الجسور معتمدة على العلاقات الصينية العربية القديمة مع هذه المنطقة بالإضافة الى قرب أسواق الصين من هذه الدول عكس الدول الغربية وأمريكا، بالإضافة الى ان الصين تنتج صناعات ضرورية لكل طبقات المجتمع التي يمكن توفرها الأسواق.


من هنا حاولت الصين التوجه الى دول الخليج العربي واقامة الصفقات التجارية مع هذه الدول والدخول الى استثمارات في المرافئ الخليجية والعربية بالاضافة الى محاولة الصين المكوث في مداخل الممرات المائية عن طريق مضيق باب المندب بحجة حماية الممرات وفقا لاتفاقية الحماية من القراصنة ومن الاعمال الإرهابية فهذا التصرف قد ازعج جدا الولايات المتحدة بالتصدي لمخططات الصين في مناطق نفوذ الولايات المتحدة التاريخية.


لقد جاءت الصرخة بعد إسقاط المنطاد الصيني فوق سماء الولايات المتحدة وإلغاء زيارة وزير خارجيتها التي كانت مقررة الى بكين في السادس من الشهر الحالي.


لقد بدأ الصراع الصيني الأمريكي من البوابة الخليجية بظل تزايد الضغط على بكين ومحاولة استنزافها وارهاقها في البحر الأصفر وبالتالي كل المحاولات هي عملية ضغط فعلية.


الحلف مع الصين وروسيا


وفقًا لذلك تحاول الصين السعي لبناء تحالف بطرق ملتوية مع روسيا وايران ودول آسيا الوسطى وباكستان والدخول الى الخليج العربي والدول العربية في شمال افريقيا للدخول نحو القارة الافريقية، وهذه المناطق تعتبر مناطق نفوذ امريكية وتحت السيطرة التجارية والاقتصادية الامريكية بالإضافة إلى وجود منابع النفط والغاز في هذه المناطق التي تقع تحت سيطرة امريكا عسكريا مما يشكل الاقتراب الصيني الى هذه المناطق تهديدًا مباشرًا للمصالح الامريكية حيث بات الصراع يأخذ نوعًا من الضغط والتهديد بالعقوبات والتنافس الاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة وبالتالي تستخدم واشنطن نوع من ازعاج تايوان بعملية الضغط حول جزيرة تايوان من اجل إرهاق بكين وابعادها من إنشاء اي حلف عسكري شرقي في آسيا لمواجهة الناتو.


طبعا لاتزال الولايات تملك الكثير من الأوراق التي ترفعها بوجه بكين للحد من نشاطها وكبح أعمالها، وقد شاهدنا الكثير من العقوبات التي قامت بها ادارة الرئيس السابق ترامب في ولايته الماضية ولايزال يستخدمها الرئيس الحالي بايدن، ولكن الولايات المتحدة تحاول تشكيل حلف بحري لتطويق الصين عسكريًا ولوجستًا واقتصاديًا وهذه خطوات الادارة الجديدة التي مارستها في المحيطين الهادئ والهندي، بالإضافة الى فرض عقوبات قاسية على شركاتها الالكترونية المختلفة المتعلقة بالحواسيب والهواتف والتكنولوجية الحديثة باعتبار ان الصين تستخدمها للتجسس وتعزيز الاستفادة الحربية للجيش الصيني.


لكن تواجد البحرية الصينية في مضائق باب المندب أو الخليج العربي أو بحر الصومال لن يسامح به للصين للوصول لاحقًا الى بناء قواعد عسكرية ثابتة في المنطقة حتى لو كان تبرير الصين بان وجودها لحماية امن الطاقة الخاصة بها من القراصنة او الارهاب.


بالمناسبة لن تنجح الصين بإنشاء تحالف قادم في الشرق بسبب تضارب المصالح بين دول الشرق ونتيجة الهوّة التي باتت تظهر بينهما وإمساك الشركات الدولية بيد الاقتصاد الامريكي.


فالسؤال الذي يطرح نفسه هل بات الصدام قريبًا بين الصين والولايات المتحدة؟ وتكون حادثة المنطاد هي السبب في توسيع الصراع ليصل الى نزاع عسكري؟


طبعا لاتزال المسافة بعيدة جدا من اي نزاع عسكري لان الصين وامريكا غير جاهزتين للصراع مع بعضهما البعض بل الدولتان تحتاجان لبعضهما البعض فعملية الضغط الأمريكي باتت امرًا عاديًا بالنسبة للصين التي تتكيف مع العقوبات والضغط وصولاً للمنافسة.