زلزال تركيا وسوريا واختلاف خطط الاستجابة الإنسانية

زلزال تركيا وسوريا واختلاف خطط الاستجابة الإنسانية

+A -A
  • 22-02-2023, 20:42
  • 118 مشاهدة
  • اراء ومقابلات

كتب ..محمد عايش 
تركيا تستجيب لكارثة الزلزال المدمر، وكأن هناك من أعلمها بموعد ومكان وقوع كارثة الزلزال الأخير. تمثلت الإستجابة بخطط  واضحة، ولم تكن عبارة عن ردة فعل مستعجلة، بل جائت على شكل خطط موضوعة مسبقاً ومهيئة لمثل هكذا كوارث، وبمستوى الحدث والخسائر الجسيمة التي منيَّ بها الجنوب التركي أثر زلزال قهرمان مرعش. أدى هذا الزلزال الكبير إلى تضررعشرة محافظات تركية، وصل ذروته في الخسائر البشرية أرقاماً كبيرة تجاوزت 40 الف قتيل و100 الف مصاب، ومازال البحث جارياً عن المزيد. حجم وقساوة الكارثة جعلت من الاتراك على المستوى الشعبي ينفرون من بيوتهم لتقديم كافة أنواع الدعم للمدن والقرى، مدن أنطاكية وقهرمان مرعش والإصلاحية بلغت فيها الخسائر أعلى المستويات، لم يتبقى من بنيتها الفوقية الا 10% قابلة للسكن، ودمر نحو 50% من بنيتها الفوقية بشكل كامل و40% تضرر بشكل متوسط بحيث لا يمكن السكن فيه.
إدارة الكوارث الداخلية ورئاسة ادارة الطوارئ آلتي يطلق عليها AFAD أفاد، هي التي تقوم بإدارة خطط الإستجابة، فهيَّ توظف أكثر من 7000 موظف، وتنظم تَطوع أكثر من 700 ألف متطوع، لم تسمح هذه الإدارة (أفاد) لأي منظمة مهما كانت، أممية أو دولية في العمل والإستجابة لضحايا الزلزال إلا من خلال التنسيق معها. إشتملت مهام أفاد تنظيم المتطوعين وتوفير المواد غير الغذائية، والمواد الغذائية والمأوى المؤقت والسكن البديل والتنسيق مع فرق الأنقاذ والمنظمات وتسهيل أعمالها، مختصرةً بسياقها هذا، الطريق على المنظمات الكثير من الجهد فيما لو لم تكن أفاد موجودة بخططها وبرامجها، بهذا الإجراء قطعت أفاد والحكومة التركية الطريق أمام قطع المنظمات حصة من موازنة المشاريع الأنسانية، التي غالباً ما تستحوذ على أكثر من ٥٠٪؜ من أصل التمويل المخصص للأزمات، حيث يذهب كموازنة تشغيلية تشمل الرواتب العالية لموظفي المنظمات وغيرها من اللوجستيات والتنقل والسفر والسكن والمؤتمرات، كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن،التي تطبق فيها خطط إستجابة إنسانية تقودها الأمم المتحدة.
أردوغان والحكومة التركية أعطوا مثالاً رائعاً في ادارة الأزمات، الكل مندهش من مستويات الإستجابة العالية في تركيا، غوتريس الأمين العام للأمم المتحدة نفسه أعلن عن رضاه وإندهاشه من المستوى العالي للإستجابة التركية للأزمة.الإستجابة على المستوى الحكومي والشعبي بدأت متميزة ومازالت تعمل بتميزها المعهود، منذ اليوم الأول للكارثة بدَأَ ألآلاف من المتطوعيين يتجمهرون في المطارات التركية  لكي يصلوا الجنوب التركي للمشاركة في جهود إنقاذ ضحايا الزلزال. العديد من الحلول البديلة اتخذتها الحكومة التركية وأهمها فتح حسابات مصرفية للتبرعات من مختلف دول العالم، ولولا الثقة العالية بالحكومة التركية لتردد الكثير من التبرع بمبالغ كبيرة الى أفاد لمساعدة ضحايا الزلزال، مثال ذلك الشخص الباكستاني الذي ذهب مسرعاً إلى السفارة التركية في واشنطن، عندما سمع بالزلزال متبرعاً بمبلغ قدره ثلاثون مليون دولار، هذا ما أعلنته الـCNN، وأيضاً قيام الحكومة التركية بتحويل الدراسة في الجامعات خلال الفترة القادمة الى الدراسة عن بعد، لإستغلال البنايات في عمليات الإيواء المؤقت. ومن الجدير بالذكر، إنه في الأيام الأولى للزلزال كان هناك ٩٣ الف تركي بدون مأوى، هدمت بيوتهم وإعتبروا في عداد المشردين، الحكومة التركية فاجئت الجميع عندما أعلنت بأنها ستوفر أكثر من ١٢٠ الف سكن بديل لضحايا الزلزال.
تركيا تستجيب للأزمة وكأن هناك من أخبرها بحجم الكارثة التي ستحل بها، بكل تأكيد تركيا لا تعلم بالكارثة، لكن الذي تعلمه وتتقنه جيداً هو الإدارة السيتراتيجية وإدارة الأزمات. هذا ما جعلها مثار تقدير وإحترام من المجتمع الدولي.
في الجانب الآخر، نجد الفوضى تعم الشمال السوري الذي يعاني أصلاً من عدم الإستقرار جراء الحروب في سوريا، وتتعامل معه المنظمات الدولية والأممية والحكومة السورية ببرود قلَّ مثيله، المنظمات تمارس دورها المعتاد بغياب الحكومة، المتمثل ببطء إستجابتها وضعفها مما يجعلها تعمل بالطريقة المفضلة لها، والتي طبقتها وما زالت تطبقها في سوريا والعراق واليمن، فهيَّ تعمل بطريقة تسمح لها بإستنزاف نصف الأموال المخصصة  للإستجابة لضحايا الزلزال كتخصيصات تشغيلية، يضاف الى الدور غير المنضبط للمنظمات، سيطرة المليشيات بكل أنواعها على المشهد السوري وتسييس العمل الإنساني، واللعب على أوتارالمواقف السياسية والتخندقات الإقليمية والدولية. دول مثل العراق وسوريا واليمن دول ضعيفة تفتقد نظم الإدارة الحديثة، وبعيدة كل البعد عن الشفافية والعمل المؤسساتي، مما يجعل المساعدات التي تصلها تقع تحت مظلة المنظمات التي تستولى على الجزء الأكبر منها كرواتب ونفقات تشغيلية.
الدول التي ليس لديها وزارة للتعاون الخارجي أو مؤسسة مستقلة مسؤولة عن ملف الطواريء، مثل أفاد في تركيا، بكل تأكيد ستقع فريسة لنيبان بعض المنظمات التي تتكاثر على قصعة الزلازل والحروب والفيضانات، ليس بدافع إنساني بحت 100%، لكنه الدافع المادي الذي للأسف الشديد عادةً ما يسبق أو يأتي متماشياً مع الدافع الإنساني النبيل.