فيضٌ راحل بجفاف قاحل .. الضمأ يدقُّ عروق الأرض في العراق

فيضٌ راحل بجفاف قاحل .. الضمأ يدقُّ عروق الأرض في العراق

+A -A
  • 6-03-2023, 14:29
  • 278 مشاهدة
  • اراء ومقابلات

محمد الزيدي


يواجه المزارعون في محافظات الوسط والجنوب العراقي نقصا حادا في مياه السقي بسبب التغييرات المناخية وقلة الإطلاقات المائية من دول المنبع، وما سببته من شح كبير في مياه السقي والشرب على السواء، وما لم تتخذ الحكومة العراقية إجراءات عاجلة سيقضي العطش على آلاف الدونمات في تلك المحافظات.


ووفقاً لما يقوله خبير المياه والسدود أكرم أحمد فإن أكثر المدن التي تتأثر بانخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات هي محافظات الجنوب العراقي بالدرجة الأولى، ومن ثم مدن وسط البلاد بالدرجة الثانية وإقليم كردستان، مبدياً قلقه من فصل الصيف المقبل الذي "سيكون قاسيًا وصعباً على العراقيين والفلاحين بشكل خاص بسبب قلة الإيرادات الواردة من دولتي تركيا وإيران بشكل كبير".


تقديم التسهيلات الحكومية ومنح الموافقات للفلاحين والمزارعين لحفر الابار واستعمال الري بالتنقيط بالتعاون مع الهيئة العامة للمياه الجوفية وتطبيق نظام المراشنة المقرر وفق الخطة الزراعية، كلها حلول يراها خبير السدود واقعية جداً وتتماشى مع تطلعات المزارعين، داعياً الحكومة الى "بذل المزيد من المساعي في الضغط على الجارتين تركيا وإيران لزيادة معدل الاطلاقات المائية وتوفير حصة عادلة للعراق وتقاسم الضرر".


وقطعت كل من تركيا وإيران طوال الأشهر الماضية معظم التدفقات المائية من أراضيها نحو العراق، ما تسبّب بجفاف شديد في معظم المناطق وبالتالي تقليل المساحات المزروعة.


وبحسب تقديرات حكومية، فإنّ التصحر اجتاح 39% من الأراضي العراقية، في حين باتت الملوحة تهدّد التربة في المناطق الزراعية بنسبة تجاوزت الـ 54% الأمر الذي تزامن مع موسم مطري منخفض جدًا خلال الشتاء الماضي.


وكانت وزارة الموارد المائية قد اوضحت في وقت سابق، بان الخزين المائي الآن وصل إلى مراحل حرجة ولا تستطيع الوزارة ضخ مياه كبيرة للأنهر، كاشفة عن نسب الإيرادات المائية التي تأتي للعراق بواقع 30% من استحقاقه الفعلي و70% لا تصل".


واكدت الوزارة أن العراق بإمكانه استقبال أي موجة فيضانية أو سيول تنطلق من فتح تركيا لسدودها لأغراض الوقاية والسلامة. 


مجلس أعلى للمياه


تشكيل مجلس أعلى للمياه يتبنى حلحلة كل قضايا الخلاف مع دول المنبع وفق أوراق الضغط التي يمتلكها العراق، هو مقترح تتبناه عضو لجنة الزراعة النيابية ابتسام الهلالي، ومن شأنه تجنيب العراق انعكاسات أزمات مستقبلية، محذرة من "السماح لتركيا ببناء السدود لما لذلك من خطر على الواقع المائي في العراق".


الهلالي أضافت أن "حكومة العراق مطالبة بإعادة النظر في الخطط الزراعية من أجل مواجهة الجفاف وقلة المناسيب المائية ".


وتابعت أن "الوضع المائي خلال فصل الصيف المقبل خطر جدًا، وكمية الامطار التي هطلت خلال فصل الشتاء الحالي تعادل مليار متر مكعب، لكن ما تم تخزينه هو ربع هذه الكميات فقط"، كاشفة عن "ضعف في الخزين المائي للعراق وعجزه عن تغطية النقص الحاصل في المياه بسبب قلة الايرادات الواردة من دول المنبع".


إلى ذلك يقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال إن ٪70 من الإيرادات المائية التي ترد العراق تخضع لسياسات دول المنبع، فيما لا يتجاوز ما يرد العراق من دول الجوار ما نسبته 30% من الإيرادات الطبيعية، الأمر الذي دفعنا إلى استخدام الخزين المائي الذي يعاني في الأصل من حالة حرجة.


ويضيف: "تردنا ايرادات مائية من تركيا بنسبة 50% من المياه ، ومن إيران 15 % ومن سوريا 5% وقد شهدت سنوات 2020 و 2021 و2022 شحة مائية كبيرة تم الاعتماد بشكل كبير على الخزين المائية وتم استنزاف الخطط الزراعية في تلك السنوات وبالتالي استنزاف الخزين المائي للدولة".


وزاد "نحن في العراق نعاني من سياسات دول الجوار المائية التي قامت بإنشاء سدود كبيرة وانشاء مشاريع استصلاح وتحويل مسارات الأنهر دون التنسيق مع العراق، ما القى بظلاله بشكل كبير على الواقع المائي في العراق".


وعن طبيعة الاجراءات التي ستتخذها وزارة الموارد المائية كشف المسؤول الحكومي عن زيارة مرتقبة لوفد تفاوضي عراقي سيزور تركيا في الايام المقبلة، من أجل التوصل الى تفاهمات معينة مع الجانب التركي"، مضيفا أن الوزارة "ستطلق حملة كبرى لإزالة التجاوزات على أعمد النهر واستنزاف المياه في الزراعة الجائرة واحواض الاسماك التي تستنزف كميات كبيرة من المياه".


وزارة الزراعة لا تدخر جهدا في دعم الفلاحين


أبدت لجنة الزراعة والاهوار النيابية، الأسبوع الماضي خشيتها من أن شحة المياه المرتقبة في الصيف المقبل قد تكون الاعنف بين سابقاتها على حد وصفها.


وقال عضو لجنة الزراعة والاهوار النيابية ثائر الجبوري إن "الحلول التي قد تقدم عليها البلاد ستكون متأخرة ، ونحتاج لوقت طويل للتصدي لهذا المشروع من خلال استبدال الاساليب والطرق الخاصة بالري بأخرى وهذا الامر يتطلب استعداد اكبر".


وفيما يبدو، فإن مخاوف اللجنة البرلمانية شجعت وزارة الزراعة على تبني مشاريع مختلفة مهمتها دعم شريحة الفلاحين والمزارعين وتلبية احتياجاتهم كونها الشريحة المظلومة التي تعرضت للخسارة الاكبر خلال السنوات السابقة بسبب قلة المياه نتيجة ندرة اطلاقاته من دول الجوار، وفقاً للمتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي.


ولا يخفِ الخزاعي تأثر العراق بانعكاسات المناخ التي القت بظلالها على البلاد بشكل كبير، وانعكاس ذلك على البيئة والزراعة مشيراً بأن "العراق ليس وحده من يعيش واقعاً مائيا صعبا".


ومع كل المخاوف التي يطلقها المعنيون حول مستقبل الانتاج الزراعي في العراق، يبدي متحدث وزارة الزراعة تفاؤلاً مشوباً بالحذر من أن المعطيات لتغيير الوضع الحالي وتجاوز ازمة شحة المياه كثيرة، ومنها أن موسم الامطار الحالي لم ينتهِ وذوبان الثلوج لم يبدأ بعد في تركيا ومناطق شمال العراق".


وتابع: "نحن اليوم نعيش الموسم الزراعي الشتوي ولغاية الان الأمور تسير بالاتجاه الصحيح فيما يتعلق بموسم الحنطة والشعير، ولدينا مساحات زراعية تقدر بـ8 ونصف مليون دونم، ووفرت لها الوزارة المستلزمات الخاصة والدعم مثل الاسمدة والمبيدات ، بالتالي هذه المتغيرات من الممكن ان تغير الواقع ومن ثم يتم اقرار خطة زراعية لموسم الصيف المقبل".


وحول طبيعة الخطة الزراعية التي تتبناها الوزارة في الصيف القادم يقول المسؤول الحكومي" إن الوزارة لا يمكنها أن تضع خطة زراعية صيفية في الوقت الحاضر إلا بعد انتهاء الموسم الشتوي، ووفق المعطيات المتوفرة بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية ومعرفة الخزين المائي".