قطار تشرين ينتظر "الطرف الثالث"

قطار تشرين ينتظر "الطرف الثالث"

+A -A
  • 30-09-2022, 12:31
  • 151 مشاهدة
  • اراء ومقابلات

بغداد- ميل  


لا يثير "التشرينيون" ذِكر، مثل ذِكر الطرف الثالث بما ينطوي عليه من صور واختزال لتجربة مريرة خاضوها، حتى صارت تشرين والطرف الثالث متلازمة نقيض فكرا وفكرة، لذلك خرج العنوان اعلاه بهذا الشكل بالرغم من ان المقصود فيه قد يكون بعيدا كما سيتبين لاحقا بعد بحث جوانب التظاهرة الاخيرة يوم (28 أيلول) مع النظر بما سبقها من تحشيد وتأييد ودفع للحراك في مسعى لاستعادة زخم الذروة المفقودة في الاحتجاج منذ ثلاثة أعوام.


وعلى ما يبدو فإن هذا المسعى يواجه بجملة متغيرات اكثرها تأثيرا هو غياب "الطرف الثالث" لكن ليس هذا الطرف الذي يفجر رؤوس المتظاهرين أو يبطش بهم كما هو معروف انما "طرف ثالث" من نوع آخر تمثله الاغلبية المحايدة التي تقترب نسبتها من 80 بالمئة اختارت لنفسها الحياد سياسيا وشعبيا لأسباب عميقة تبلورت خلال السنوات المتعاقبة.


ولعل من أسباب فقدان هذه (الاغلبية) التي مثلت سابقا أرضية تشرين الصلبة اذ لم يكن هناك بيتا عراقيا غير منتم بأحد أفراده الى التظاهرات هو وقع الصدمات والمواقف والتغذية الهائلة التي عززها فشل "التشرينيين" سياسيا ومن ثم انقسامهم على أنفسهم منذ أول جلسات البرلمان في دورته الخامسة (الدورة الاولى بعد تظاهرات تشرين 2019) والتي شهدت التصويت على رئيس برلمان يحسب على طبقة سياسية كانت مرفوضة بمجملها من قبل الحراك الشعبي. 


الصدر والطرف الثالث لا يجتمعان


ومع ذلك، الا ان السبب الابرز الذي يغيب الطرف الثالث المجتمعي يبقى هو نفض زعيم التيار الصدري يديه من شركاء الأمس والتحاقه كليا وليس جزئيا بصف الاحتجاج الامر الذي تتوجس منه هذه النسبة الاكبر "للأغلبية" كونه يفقدها عنصر زمام المبادرة وصدارة الاحتجاج وحتى الرغبة في الخلاص من طبقة سياسية سيظل جزءا منها عالقا بين المحتجين باعتباره بديلا جاهزا متحضرا لان يتولى المهمة ويتسيدها.


وعلى عكس التوقعات القائلة بأن التظاهرات ستجد في خصام القوى السياسية منفذا للعودة أثبت التجربة بان تصاعد صراع القطبين الشيعيين (التيار والإطار) عزز من ركون تشرين للسكون بشكل أكبر، بعكس ما كانت في لحظة التوافق الشيعي او ما يعرف بمعادلة الفتح سائرون عام 2018 حيث شهدت تلك الحقبة ولادة تشرين، ما يعني ان عود الزخم الشعبي المناهض للطبقة السياسية يحتاج على الاقل عودة نفس ظروف التقارب الشيعي التي تبدو بعيدة لحد الان وربما هذا من مدركات زعيم التيار الصدري الذي يرفض لحد اللحظة فكرة تدوير التوافقية او الاسهام بها. 



تشرين تأكلها الساحات


لم تكن تشرين في بذرتها سوى ساحة التحرير، تلك الساحة التي احتضنت طلائع المحتجين عام 2011 و 2016 قبل ان تتحول الى تشرين الحبوبي ومجسر ثورة العشرين وغيرها العديد من الساحات التي انتجت من القادة ما يفوق اليوم حجم الحاضرين ببعض التظاهرات التي نشهدها هنا وهناك، قبل ان تتحول بفعل التمدد والاختراق والاختلاف الى تشرين النسور وتشرين التحرير لينقسم الحراك بين من يحاول ابقاء الحراك تحريريا تحت ايقونة نصب الحرية وآخر يريد صناعة جديد لم تعد ساحة التحرير قادرة على انتاجه من قبيل دخول الخضراء والاعتصام في البرلمان كما فعل الصدريون ولعله يريد ان يثبت انه ليس اقل شأنا وعزما منهم. 


وعلى غرار فرز الساحات هذا بات هناك فرز واضح يبصره كل ذي عينين من المهتمين وهو ظاهرة تعدد الناشطين المتصدين بعناوين تشرينية فرعية فمنهم ناشط تشريني سياسي يتبع قوى تشرين النيابية والمعارضة واخر تشريني صدري وهم لا يخفون الجمع بين الهويتين تحت تبريرات الانصهار ببوتقة الوطنية الا ان ذلك من دون ادنى شك أثر جليا في القناعات التي كانت تترسخ لدى الغالبية العظمى من "الطرف الثالث" الاجتماعي او ما يعرف بالطرف المتردد في كل قضية لها مؤيدون ومعارضون. 



تراخي جهات الامداد


وعن لحظة تشرين 2022 المختلفة تغيب الشرارة الاولى التي ساهمت بها مواقف بعض القوى السياسية الشيعية المؤثرة والمتأثرة من معادلة 2018 اذ وجدت بتشرين آنذاك ضالتها فحشدت وزجت وروجت حتى موسم القطاف الاول الذي توقف مع استبدال الحكومة وبروز متغير آخر استطاع اطفاء محركات الصناعة الثورية بعد استقطاب الفاعلين النشطين نحو برزخ السلطة بعناوين الاستشارة والعضوية ضمن الفريق الحكومي الصاعد، علاوة على غياب الحضور النوعي والرمزي للمرجعية عن مجمل القضايا السياسية وبينها تشرين. 


أما دوليا فقد لاحت بوادر التحولات بضعف الرغبة المسايرة لحركة الاحتجاج تدريجيا وصولا للحظة (أحداث الخضراء) التي كتبت موقفا جديدا سطرته تلميحا وتصريحا متون البيان الاخير المشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا (28 أيلول) والذي استعجل موعد الذكرى الاحتجاجية بيومين ليربطها عمدا بالتطورات السياسية وعودة البرلمان وهو ما اتضح جليا بمضامين دعمه المطلق لخطوات الإطار بالمضي نحو تشكيل حكومة ممزوجا بعبارات تدعو لاحترام مؤسسات الدولة واخرى مشددة على عدم السماح بتكرار ما حدث وهي المرة الاولى التي تصدح بها مواقف البلدين بهذه النبرة بعد خطاب حرص طيلة عام كامل على البقاء ضمن مسار دبلوماسي. 


السنوات تحاصر الذكريات 


وكما يبدو جليا فان السنوات القدر أضحت تبلع الذكريات والاحلام التشرينية الغضة التي سعت الى صفحة ثانية تستكمل منجزها الأول لكن لعام 2020 كلمته القدرية حين حلت الجائحة ولعام 2021 كلمته ايضا حيث انطفأ "داينمو" التظاهر فجأة مكللا بنجاح تغيير "حكومة القناصين" وقدوم "فريق التشرينيين"، وكأن البدايات المحتومة لا تشبه النهايات المختومة بالعبرة، لتجتمع ظروف قهرية مجتمعية وسياسية داخلية وخارجية على ادخال تشرين في تحدي الاستمرار والبقاء للأقوى وتشرين لا تقوى حتما بدون "طرفها الثالث".