السوداني يُذكّر حلفاءه وخصومه بـ"نهج علي": لا ينبغي الانشغال بإرضاء حزب يرى السلطة غنيمة
بغداد- ميل
شخّص رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اليوم السبت، "أسباب الفساد" المستشري في العراق، مجدداً تأكيده على مواصلة محاربة المسؤولين الفاسدين "مهما كانت عناوينهم"، فيما أشار إلى أن الحاكم ينبغي أن لا ينشغل بإرضاء "حزب يرى السلطة غنيمة ومكسباً".
وقال السوداني في كلمة ألقاها خلال احتفال أقامه الإطار التنسيقي بمناسبة عيد الغدير، وحضرته "ميل"، إن "استحضارَ اسمِ عليِّ بنِ ابي طالب، وإحياءَ ذكرى وقفةِ الغديرِ المباركة، هو بيعةٌ حيّةٌ ومتجددةٌ للمعاني الساميةِ التي يعنيها فينا اسمُهُ (عليه السلام) ووجودهُ التاريخي المتّصل، فإنْ أردنا الاقتداءَ بسيرتهِ فالعقلُ والمنطقُ يقولانِ إن علينا أن نتدبّرَ في هذه المعاني والقيمِ في ضوءِ عملِنا ومسؤوليتِنا وأدائنا، وما ينتظرهُ الناسُ منّا حين حمّلونا الثقة، وما عانوهُ من تراكمٍ للمعاناةِ والآلامِ والتضحيات".
وأضاف السوداني: "هنا أوصي أو أذكّر نفسي أولاً، وكلَّ الإخوةِ المتصدّين للمسؤولية، بأننا لو أردنا قراءة عليَّ بنَ ابي طالب قراءةً معاصرة، فإن أفضلَ ما يمكنُ أن نسترشدَ به هو عهدهُ إلى مالك الاشتر الذي يمثلُ منهاجاً واضحاً لمن أرادَ أن يفهمَ عليّاً ومنطلقاتهِ في المسؤولية، إذ يوصيهِ (عليه السلام) بأن تكونَ أحبُّ الأمورِ لهُ كمسؤولٍ (أوسطَها بالحق، وأعمَّها بالعدل، وأجمعَها لرضا الرعية، وأن لا يكونَ مائلاً للخاصةِ من الناسِ على حسابِ العامةِ منهم) وهي إشارةٌ مهمةٌ من الإمامِ الى أن لا ينشغلَ الحاكمُ بإرضاءِ هذا الفريقِ أو ذاك، وتحتَ أي عنوان، كأنْ يكونَ حزباً أو تحالفاً أو فريقاً يرى أن السلطةَ غنيمةٌ ومكسبٌ، بل إن الأهمَّ والواجبَ في فلسفةِ الإدارةِ والحكمِ عندِ الامامِ أن تذوبَ كلُّ العناوين، من أجلِ هدفٍ أسمى وغايةٍ عظمى وهي خدمةُ الناسِ ونيلُ رضاهم لأنهم، مثلما قال (ع): (عمادُ الدينِ وجماعُ المسلمين والعدةُ للأعداءِ من الأمة) وإننا بقوةِ اللهِ لن نتراجعَ أو نتنازلَ عن المسيرِ نحوَ كلِّ ما يُرضي شعبَنا، ولن نجاملَ على حسابِ حقوقِهم، فنحن مسؤولون أمامَ اللهِ وأمامَهم في أن نؤدي الأمانةَ على خيرِ وجه".
وتابع: "إن كنّا نتّبعُ عليَّ بنَ ابي طالب، فهذهِ ساحةُ العملِ أمامَنا، لنا أن نُثبتَ فيها حُسنَ الاقتداء، وعفافَ اليد، وهو ما تحدثَ عنهُ (عليه السلام) في عهدهِ للأشترِ حين أوصاهُ بإدارةِ أموالِ الدولةِ وتوظيفِها بالشكلِ الذي يحفظُها من العبث، ويجعلُها مستثمرةً بما يصلحُ شؤونَ الناسِ ويحققُ لهم متطلباتِهم، وأن يكونَ الهدفُ الأولُ من المالِ هو الخدمةُ والإعمارُ ودفعُ الفقرِ وإصلاحُ أحوالِ الناس.. (لأنَّ من طلبَ الخَراجَ بغيرِ عمارةٍ أخربَ البلادَ وأهلكَ العباد، ولم يستقمْ أمرهُ إلا قليلاً) بمعنى أنّ الامامَ هنا يؤكدُ قيمةَ المشاريعِ الاقتصاديةِ التي يجبُ أن تكونَ حاضرةً في خططِ الحاكم، والتي من خلالها يتحققُ الاستثمارُ الأفضلُ للمال، فلا عمارةَ تتحققُ إلا بالمشاريعِ المستدامة".
وبين السوداني: "ثم يتحولُ الإمامُ بعدها إلى المسؤوليةِ العظمى للحاكمِ في السهَرِ على خدمةِ الناس، فيقولُ لمالك: (إنّ الناس إنِ اشتكوا من صعوباتِ الحياةِ المعيشية، أو من علةٍ أو من انقطاعِ شربٍ أو إحالةِ أرضٍ اغتمرها غرقٌ أو أجحفَ بها عطش، فواجبك التخفيفُ عنهم بما ترجو أن يَصلَحَ بهِ أمرُهم، ولا يثقلنَّ عليك شيءٌ خففتَ به المؤونةَ عنهم، فإنهُ ذخرٌ يعودون به عليك في عمارةِ بلادك وتزيينِ ولايتك) ويالها من وصيةٍ عظيمة، ورؤيةٍ إداريةٍ سابقةٍ للزمن".
ورأى أن "أحدثُ نظرياتِ الحكمِ اليوم، وأهمُّها، وفي كلِّ البلدانِ المتقدمة، تنطلقُ في أساسِها من الشعبِ وتنتهي به، وهذا الأمرُ هو نفسهُ ما تحدثَ بهِ الإمامُ (سلامُ اللهِ عليه) وهو بفضلِ اللهِ ما كنا قد وضعناهُ في برنامجِنا الحكومي، حين حددنا الأولوياتِ الخمسَ لعملِنا، التي انبنت على حاجاتِ ومتطلباتِ أبناءِ شعبِنا، إذ انطلقنا بلا رجعة، بنيّةٍ خالصة، نحوَ العملِ والعطاء، بما رسمتهُ لنا المسؤوليةُ والتكليفُ من مهام، ورسمنا أولوياتِ الاحتياجِ الفعلي للناس، نتيجةَ رصدٍ واضحٍ لمعاناتِهم، فحقُّ العمل، وتقليلُ البطالة، ومكافحةُ الفقرِ وتحسينُ الخدمات وإصلاحُ الاقتصادِ ومكافحةُ الفساد، هي كلُّها مرتكزاتٌ للأمنِ الاجتماعي والسلمِ الأهلي، فضلاً عن كونِها تطلعاتٍ فرديةً للمواطن".
وقال: "ما دام الحاكمُ مؤتمناً على شؤونِ الدولة، فإنَّ حفظَ المالِ العام، وصيانتهُ من أنْ تنالهُ أيدي الفاسدين والسراقِ هو مسؤوليةٌ كبرى تتصاغرُ دونها المسؤوليات، وحفظُ المالِ لا يكونُ فقط بإبعادهِ عن النهبِ أوِ السرقة، بل بعدمِ منحِ الامتيازِ لهذا الفريق، أو ذاك الشخص، مهما كانت صلتهُ أو قرابتهُ أو مستوى تأثيره، فطوالُ فترةِ حكمهِ (سلام الله عليه) لم نسمعْ أنه فضّلَ ولديهِ الإمامينِ الحسنَ والحسين (عليهما السلام) بامتيازٍ في العطاء، أو أنهُ اختصَّهما بمال، ولعلَّ حادثتهُ مع أخيهِ عقيل خيرُ انموذجٍ تركهُ لنا لنقتدي بهِ في عملِنا، حين أرادَ عقيلُ الاستزادةَ من بيتِ المال، فكوى يدهُ بقطعةِ حديدٍ ساخنة، ليذكرهُ بأنَّ حسابَ اللهِ أقسى من نارِ تلك الحديدة".
وشدد على أن "منهجَنا الذي لن نحيدَ عنهُ هو منهجُ محاربةِ الفساد ومحاسبةِ الفاسدين، مهما كانت عناوينُهم، وهذا لا يكونُ إلّا بقطعِ أسبابِ الفسادِ التي تأتي من استغلالِ المنصب، او الاستعانةِ بقوةِ الجهةِ والحزبِ التي أوردها الإمامُ في عهدهِ تحتَ عنوانِ الخاصةِ والبطانةِ التي تحاولُ الاستئثارَ لنفسِها بالمغانم، ويقلُّ إنصافُها للناسِ بسوءِ المعاملة".
وأوضح أن "الامامَ (عليه السلام) يُوصي في عهدهِ بأنْ لا يطولَ احتجابُ الحاكمِ عن شعبه، لإنَّ احتجابَ الولاةِ عنِ الرعيةِ مثلما قال: (شعبةٌ من الضيق، وقلةُ علمٍ بالأمور، والاحتجابُ منهم يقطعُ عنهم علمَ ما احتجبوا دونه، فيصغرُ عندهمُ الكبير، ويعظُمُ الصغير، ويَقبَحُ الحسَنُ ويَحسُنُ القبيح، ويُشابُ الحقُّ بالباطل)، لهذا، كانت توجيهاتُنا، منذُ اليومِ الأولِ لتشرفِنا برئاسةِ الحكومة، في أنْ يفتحَ المسؤولون أبوابَهم للناس، وأنْ يغادروا مكاتبَهم ويتجولوا بين غرفِ موظفيهم، ليراقبوا ويطّلعوا على سيرِ الأعمالِ فيها، من أجلِ عدمِ تأخيرِ أو تعطيلِ مصالحِ الناس، وكانت توجيهاتُنا الأخيرةُ باستمرارِ عملِ الوزراءِ والوكلاءِ والمديرينَ العامينَ لما بعد الدوامِ الرسمي تصبُّ في هذا الاتجاه. فنحنُ لسنا سوى مكلفينَ بخدمةِ أبناءِ شعبِنا الذين يستحقون منا أنْ نستثمرَ كلَّ وقتِنا وجهدِنا في سبيلِ خدمتِهم".
جميع الحقوق محفوظة (ميل نيوز)