"إصلاحات تفتح الأبواب وتزحزح الأقفال".. العراق يأخذ ماله بجدارة وينتزع الثقة من واشنطن
بغداد- ميل
في قلب التحديات، حيث تتقاطع الصراعات وتحتدم المواقف، يبرز العراق كنموذج "موثوق" في جهود الإصلاح الاقتصادي، وخاصة في قطاعه المصرفي، بعد سنوات من التقلبات والصعوبات، إذ أظهرت الحكومة العراقية إرادة قوية نحو إحداث تغيير جذري يعيد الثقة بالنظام المالي.
بغداد أثبتت ثقلها وحازت ثقة واشنطن بعد أعوام من العقوبات والنظرة المريبة، هكذا أكد نائب وزير الخزانة الأمريكية "والي أديمو" اثناء لقائه برئيس الوزراء محمد شياع السوداني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
"أديمو" ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث أشاد بـ"التقدم الكبير" الذي أحرزه العراق في القطاع المصرفي وتوسع ارتباطه المالي الدولي وزاد من الشمول المالي، مؤكدا "دعم" الخزانة الأمريكية للبنك المركزي العراقي وأجندة رئيس الوزراء الإصلاحية.
كما أشاد "أديمو" بنمو الاقتصاد غير النفطي في العراق بنسبة 6.0 في المائة، وأبدى اهتمام دولته بالخطوات التي يتخذها رئيس الوزراء لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الهيدروكربونات، فماذا يعني الموقف الأمريكي الجديد؟ كيف ستكون انعكاساته الدولية؟
سعر الصرف والسوق بأمان
الباحث والمختص في الشأن المالي والمصرفي مصطفى حنتوش، يقول في حديث لـ"ميل"، إن "اللقاء كان إيجابياً جداً بين رئيس الوزراء ونائب وزير الخزانة الأمريكي (والي أديمو)"، مبينا أن "رؤية رئيس الوزراء اثبتت تطور النظام المصرفي العراقي، وأنه نظام صديق للأنظمة العالمية المصرفية ومنها الأمريكية".
ويرى حنتوش، أن "النظام المصرفي العراقي باحث عن التطور ويريد الوصول إلى معايير حقيقية"، لافتا إلى أن "هذا اللقاء يعني الانتقال إلى مرحلة بناء نظام مصرفي صحيح وهذا جيد جداً، فضلا عن توقف العقوبات".
ويوضح حنتوش، أن "الأمريكان والخزانة الأمريكية أصبحوا على دراية بأن الحكومة العراقية داعمة للنظام المصرفي والإصلاحات، وهذا واضح من خلال البيان الذي أصدروه حول لقاء رئيس الوزراء ومساعد وزير الخزانة الأمريكي".
ويؤكد حنتوش، أن "هذا الموقف جيد جدا ويترك تأثيرات على السوق العراقية والسعر الموازي".
ويلفت حنتوش إلى أن "الدولة العراقية ساهمت بنمو الواردات غير النفطية على نحو جيد، كما أن تطبيق برنامج (الاسكودا) العالمي في الجمارك ضاعف وارداتها، إلى جانب الإصلاحات الأخرى مثل الدفع الإلكتروني"، مبينا أن "عدم وجود الكاش يؤدي إلى صعوبة التزوير ويحدث نموا في عمليات الدفع وواردات الحكومة غير النفطية، والفضل بذلك يعود إلى التفكير السليم عبر الدفع الالكتروني والأتمتة"، في إشارة إلى أن هذه الإصلاحات رفعت ثقة العالم والولايات المتحدة بالعراق.
ويقول حنتوش في حديثه لـ"ميل"، إن "الاقتصاد العراقي إذا استمر على هذا النحو سيكون متطوراً جداً في المرحلة القادمة".
"الكذوب" يقر بالحقيقة
المحلل الاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي يقول في حديث لـ"ميل"، إن "الأمريكان عمرهم لا ينظرون لمصالح أحد قبل أن ينظرون لمصالحهم"، معتبرا أن "إشادة نائب وزير الخزانة الامريكية بتقدم العراق والتزامه بالمعايير الدولية للوصول لإصلاح مصرفي نموذجي، حقيقة لا يستطيع أحد نكرانها ومن الممكن القول (صدق الكذوب)".
ويؤكد الشيخلي، أن "المهم فعلا هناك نمو في القطاعات الممولة لموازنة الدولة من غير الريع النفطي بدليل أعلن العراق أنه سيكتفي من استيراد الكثير من المنتجات النفطية بعد انتاج المصافي العراقية لتلك المنتجات، كما أنه سيحقق موارد أكثر إذا استطاع السيطرة على الفساد المالي الذي يستنزف موارده التي تذهب بمبالغ هائلة لجيوب الفاسدين".
ويلفت الشيخلي بالقول، "اليوم نحن على اعتاب طريق التنمية المستدامة وبالاتجاه الصحيح لأول مرة منذ عام 2003".
"هدف حيوي"مصدر حكومي من جانبه، أكد أن المناقشات التي جرت بين رئيس الوزراء ونائب وزير الخزانة الأمريكية "تعكس بوضوح جهود الحكومة العراقية المستمرة في مجال الإصلاح المالي والمصرفي كونه هدفاً حيوياً ومركزياً ضمن البرنامج الذي سعت الحكومة لتنفيذه خلال السنتين الفائتتين".
ويوضح المصدر، أن "الحكومة العراقية سبق أن تعاقدت مع شركة (إيرنست آند يونغ) العالمية لإعادة هيكلة بعض المصارف الحكومية بما في ذلك مصرفا الرافدين والرشيد وقد بدأ العمل على هذه المهمة منذ أشهر عديدة".
ويشير المصدر إلى أن "البنك المركزي العراقي تعاقد مع شركة (أوليفر وايمان) العالمية لتطوير القطاع المصرفي الأهلي حيث سيبدأ تنفيذ العقد خلال الفترة القليلة القادمة".
ويؤكد، أن "العراق يتواصل بانتظام مع الدول والمنظمات المالية الدولية لتطبيق معايير الامتثال وأنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وهو مستمر بسعيه بهذا المجال من خلال تعاونه وتنسيقه المتواصل مع كل من منظمتي المينا فاتف MENAFATF والفاتف FATF المعنيتين بمكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب بالإضافة إلى عقد العراق لاتفاقيات ومذكرات تفاهم مع باقي الدول لتنفيذ آخر المعايير بهذا المجال".
ويلفت المصدر الحكومي إلى أهمية بعض النقاط التي أشار إليها بيان وزارة الخزانة الأمريكية عقب اللقاء، ومنها الالتزام الذي أبدته وزارة الخزانة الأمريكية حول دعم البنك المركزي العراقي وكذلك خطط الإصلاح التي يسعى إليها رئيس الوزراء في المجال المالي والمصرفي".
ويبين المصدر، أن "بيان الخزانة الأمريكية ركز بشكل واضح على النمو البالغ 6.0 في المئة في الاقتصاد غير النفطي للعراق في ضوء الجهود المبذولة من قبل الحكومة العراقية لتنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد حصريًا على القطاع النفطي".
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أكد خلال اللقاء، أن الحكومة قطعت شوطاً كبيراً في ملف الإصلاح المالي والمصرفي، وتم إكمال 95% من التحويلات المصرفية من خلال المنصة الإلكترونية، وتبقى أقل من 5% ستُنجز نهاية العام الجاري، وبعدها سيجري التحوّل إلى نظام المصارف المراسلة، وفق نهج الحكومة والتزامها برفع قدرات البنوك العراقية، بما يتناسب مع المعايير العالمية ويلبي حاجة البيئة الاستثمارية المزدهرة في العراق.
جميع الحقوق محفوظة (ميل نيوز)