كتب .. إسماعيل نوري الربيعي
كتب أرنست بلوخ ( توفى 1977) في كتابه الشهير ( مبدأ الأمل) ، علينا الإيمان العميق بالأمل ، لا بوصفه حلما متثاقلا متكاسلا ، بل لصدوره عن مدى القدرة على التعبير ، والوعي بالمشكلات ، إنها اليقظة التي تقود نحو عالم أفضل ، والقدرة على الانسجام والتوفيق بين الميول و الممكن ، تلك التي تتفاعل بين الواقع المعاش وقدرة الإنسان على المبادرة ، ممكن لم يتحقق بعد باعتبار الواقع المعاش الذي لم تكتمل شروطه بعد . و هي الفكرة التي تقوم على إعادة الارتباط مع الواقع.
هل ثمة سذاجة تفرض بثقلها على الجملة التي تقول ( الشباب عماد المستقبل ) ، هل هو المكرور و المعاد و المستهلك و المستنزف جراء الافراط في الاستعمال. حتى تحول الأمر إلى مجرد لوك شعار مستباح بئيس ، أم أن الطريق نحو المستقبل يبقى منوطا بهذه الفئة ؟ لقد كتب و سيكتب المنظرون و المتخصصون حول مفهوم تنمية الشباب ، و أعدوا و سيعدون الخطط الكفيلة بالنهوض بهذه الفئة ، فيما لو توجهنا بالسؤال المباشر إلى الشباب . لوجدنا حالا مختلفا و أوضاعا تنبيءُ عن المزيد من الخلل و الخروقات . حيث الواقع الذي ما انفك يشير إلى أحوال البطالة و انعدام فرص التأهيل و البيروقراطية و تكريس المصالح ، و الإرهاب و الفساد السياسي و الإداري ، و هجرة العقول . و إذا كان الحديث عن التنمية بوصفها الوسيلة و المنهج المتطلع نحو استثمار الطاقة الشابة، بوصفها موردا و موئلا شديد الأهمية في البناء المجتمعي و كل تغيير ممكن نحو المستقبل . فإن المعطى الأصل يبقى يدور في فلك التغيير والتفعيل الذي لا يعنى بفئة على حساب باقي الفئات الخرى ز أنه البحث عن التكامل ، و السعي نحو دفع الشباب نحو المساهمة في الشراكة المجتمعية ، تلك التي تقوم على الوعي بالتدريب والتأهيل والنهل من التجارب و التحديات ، و التطلع نحو تسيير مجال الفعل ، عبر المبادرة الداخلية ، وليس الأخذ عن التجارب الأخرى الخارجية . إنها الخطوة الأصل تلك التي تتمثل في استثمار مالديك من موارد متاحة ، وتوجييها نحو مواجهة التحديات و المشكلات .
يحيل موضوع الشباب إلى حقل التنمية ، حيث البناء المنهجي و المعرفي الذي بذلت فيه الجهود الحثيثة و الدراسات المعمقة الجادة ، و توافر على المدارس و المناهج و الاتجاهات المعرفية الصميمة و الراسخة، إنه المضمون الذي يتوافر على التنظيمي و الإداري ، فيما يبقى الفعل الكامن فيه يقوم على طبيعة المعالجة المقترحة ، تلك التي تتراوح ما بين منهجية ( التمكين Empowerment ) أو ( الحوكمة Governance ) ، فيما تبقى المرتكزات الأصيلة لطبيعة التعاطي مع واقع ( تنمية الشباب ) ، حيث لا تقف عند تحديد منهجي ، أو نقطة شروع جاهزة ، أو رؤية ثابتة مقننة . بقدر ما تقوم على جملة من المحددات التي يفرزها الواقع ، وليس التطلع نحو تطبيق الوصفة البرامجية الجاهزة .
تنمية الشباب لو كانت وصفتها السحرية تتعلق ببرنامج ما ، أو نقل تجربة تحقق لها النجاح في مجتمع ما ، لكان الأمر في غاية اليسر والسهولة. الأمر هنا يتعلق بجملة من المستويات تلك التي تتمثل في ؛ السياق بوصفه المجال الذي يحتوي النسق القيمي والثقافي والعلاماتي ، باعتبار أن لكل مجتمع سياقاته و أنظمة قيمه الخاصة به ، وتفاعلاته التي تميزه . إنها الخصوصيات والتمثلات التي يعمل على إنتاجها حول هذه الظاهرة او تلك . وهي الأنماط التي يفرزها بناء على طريقة إنتاج المعنى. إنه سياق التفاعل في مجتمع منغلق أم منفتح ، متعصب أم متسامح ، مديني أم قبلي عشائري ، مؤسسي أم قرابي. فيما يتشكل المستوى الثاني عبر بوابة الرهانات ، تلك التي تتمثل في الوعي الاجتماعي السائد و ما يمكن أن يستوعبه هذا الفضاء من دور ممكن للشباب و استيعاب لملكاتهم و إمكاناتهم و قدراتهم. إنه رهان بناء الدولة المؤسسية ، عبر حفز العلاقات التي يتم صياغتها بناء على روح الشرائع و القوانين حيث العدل والحرية والمساواة ، هو رهان المواطنة المتكافئة والعضوية الكاملة غير المنقوصة ، رهان ينطوي على الشرعية الدستورية ، رهان يقوم على فهم الواقع من أجل صناعته ، على حد تعبير أنتوني جيدنز. أما على مستوى الرؤية ، فإن طريقة التعاطي مع الشباب إنما يقوم على النقد الجذري والتفكير الخلاق ، و العمل على فسح المجال أمام الشباب وحفزهم نحو المشاركة الجادة و المساهمة الإيجلبية في بناء المجتمع . ويبرز مستوى التحديات ، في التطلع نحو دمج الشباب في مجتمع ، والوعي العميق بالمشكلات التي تتفاعل في الواقع ، عبر الفهم الجاد و الأصيل للمشكلات و السعي نحو فهمها و استيعاب العلاقات التي أفرزتها ، و الوقوف العميق على اسبابها ، و التعاطي معها بروح المسؤولية ، و حث النظر نحو إبراز مواطن القوة في المجتمع ، وتمييز مفاصل القدرة الكامنة ، والعمل على تثوير الطاقات واستثمارها بما يخدم التنمية المجتمعية . أما على مستوى المتغيرات ، فالأمر يبقى مرتبطا بالإيمان الصادر عن الذات حول قيمة الشباب ، بوصفهم محرك الفعل و مصدر قوة التغيير . لا سيما و أن عالم اليوم يعيش أحوال الثورة المعلوماتية والاتصالية و التقانية ، والذي ما انفك يعيش على الحراك والتجديد و الابتكار ، و السباق المحموم نحو المستقبل ، حيث الواقع الافتراضي و الاقتصاد الرمزي ، وسيادة العلاقات الرقمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، تلك التي تمكن من خلالها الشباب إسقاط أنظمة استمرأت لعبة السيطرة والسطوة والهيمنة .