العمل: لدينا مشروع جديد لمنح قروض تصل لـ350 مليون ومن دون كفيل
دراسة: الأجيال الأصغر سناً أقل عرضة للإصابة بالخرف
طبيبة تحذر من التأثير السلبي للكافيين على بعض الأشخاص
السوداني يجري زيارة إلى عدد من عوائل الشهداء للتهنئة بالعيد المبارك
ما الآثار السلبية التي يسببها النوم لساعات طويلة؟
مومياء البيرو تثير الجدل.. هل اصلها فضائي؟
اعتقال أمريكي هاجم قرشًا سرق صيده
الرئيس البرازيلي: غوتيريش يمكنه المساعدة في تحقيق السلام في أوكرانيا
الرئيس الإيراني عن انتاج النووي: لا نسعى اليه ومستعدون للتفتيش على منشآتنا
زاخاروفا تتحدث عن رفض نظام كييف استلام الجثث
الشباب والشراكة المجتمعية
كتب .. إسماعيل نوري الربيعي
كتب أرنست بلوخ ( توفى 1977) في كتابه الشهير ( مبدأ الأمل) ، علينا الإيمان العميق بالأمل ، لا بوصفه حلما متثاقلا متكاسلا ، بل لصدوره عن مدى القدرة على التعبير ، والوعي بالمشكلات ، إنها اليقظة التي تقود نحو عالم أفضل ، والقدرة على الانسجام والتوفيق بين الميول و الممكن ، تلك التي تتفاعل بين الواقع المعاش وقدرة الإنسان على المبادرة ، ممكن لم يتحقق بعد باعتبار الواقع المعاش الذي لم تكتمل شروطه بعد . و هي الفكرة التي تقوم على إعادة الارتباط مع الواقع.
هل ثمة سذاجة تفرض بثقلها على الجملة التي تقول ( الشباب عماد المستقبل ) ، هل هو المكرور و المعاد و المستهلك و المستنزف جراء الافراط في الاستعمال. حتى تحول الأمر إلى مجرد لوك شعار مستباح بئيس ، أم أن الطريق نحو المستقبل يبقى منوطا بهذه الفئة ؟ لقد كتب و سيكتب المنظرون و المتخصصون حول مفهوم تنمية الشباب ، و أعدوا و سيعدون الخطط الكفيلة بالنهوض بهذه الفئة ، فيما لو توجهنا بالسؤال المباشر إلى الشباب . لوجدنا حالا مختلفا و أوضاعا تنبيءُ عن المزيد من الخلل و الخروقات . حيث الواقع الذي ما انفك يشير إلى أحوال البطالة و انعدام فرص التأهيل و البيروقراطية و تكريس المصالح ، و الإرهاب و الفساد السياسي و الإداري ، و هجرة العقول . و إذا كان الحديث عن التنمية بوصفها الوسيلة و المنهج المتطلع نحو استثمار الطاقة الشابة، بوصفها موردا و موئلا شديد الأهمية في البناء المجتمعي و كل تغيير ممكن نحو المستقبل . فإن المعطى الأصل يبقى يدور في فلك التغيير والتفعيل الذي لا يعنى بفئة على حساب باقي الفئات الخرى ز أنه البحث عن التكامل ، و السعي نحو دفع الشباب نحو المساهمة في الشراكة المجتمعية ، تلك التي تقوم على الوعي بالتدريب والتأهيل والنهل من التجارب و التحديات ، و التطلع نحو تسيير مجال الفعل ، عبر المبادرة الداخلية ، وليس الأخذ عن التجارب الأخرى الخارجية . إنها الخطوة الأصل تلك التي تتمثل في استثمار مالديك من موارد متاحة ، وتوجييها نحو مواجهة التحديات و المشكلات .
يحيل موضوع الشباب إلى حقل التنمية ، حيث البناء المنهجي و المعرفي الذي بذلت فيه الجهود الحثيثة و الدراسات المعمقة الجادة ، و توافر على المدارس و المناهج و الاتجاهات المعرفية الصميمة و الراسخة، إنه المضمون الذي يتوافر على التنظيمي و الإداري ، فيما يبقى الفعل الكامن فيه يقوم على طبيعة المعالجة المقترحة ، تلك التي تتراوح ما بين منهجية ( التمكين Empowerment ) أو ( الحوكمة Governance ) ، فيما تبقى المرتكزات الأصيلة لطبيعة التعاطي مع واقع ( تنمية الشباب ) ، حيث لا تقف عند تحديد منهجي ، أو نقطة شروع جاهزة ، أو رؤية ثابتة مقننة . بقدر ما تقوم على جملة من المحددات التي يفرزها الواقع ، وليس التطلع نحو تطبيق الوصفة البرامجية الجاهزة .
تنمية الشباب لو كانت وصفتها السحرية تتعلق ببرنامج ما ، أو نقل تجربة تحقق لها النجاح في مجتمع ما ، لكان الأمر في غاية اليسر والسهولة. الأمر هنا يتعلق بجملة من المستويات تلك التي تتمثل في ؛ السياق بوصفه المجال الذي يحتوي النسق القيمي والثقافي والعلاماتي ، باعتبار أن لكل مجتمع سياقاته و أنظمة قيمه الخاصة به ، وتفاعلاته التي تميزه . إنها الخصوصيات والتمثلات التي يعمل على إنتاجها حول هذه الظاهرة او تلك . وهي الأنماط التي يفرزها بناء على طريقة إنتاج المعنى. إنه سياق التفاعل في مجتمع منغلق أم منفتح ، متعصب أم متسامح ، مديني أم قبلي عشائري ، مؤسسي أم قرابي. فيما يتشكل المستوى الثاني عبر بوابة الرهانات ، تلك التي تتمثل في الوعي الاجتماعي السائد و ما يمكن أن يستوعبه هذا الفضاء من دور ممكن للشباب و استيعاب لملكاتهم و إمكاناتهم و قدراتهم. إنه رهان بناء الدولة المؤسسية ، عبر حفز العلاقات التي يتم صياغتها بناء على روح الشرائع و القوانين حيث العدل والحرية والمساواة ، هو رهان المواطنة المتكافئة والعضوية الكاملة غير المنقوصة ، رهان ينطوي على الشرعية الدستورية ، رهان يقوم على فهم الواقع من أجل صناعته ، على حد تعبير أنتوني جيدنز. أما على مستوى الرؤية ، فإن طريقة التعاطي مع الشباب إنما يقوم على النقد الجذري والتفكير الخلاق ، و العمل على فسح المجال أمام الشباب وحفزهم نحو المشاركة الجادة و المساهمة الإيجلبية في بناء المجتمع . ويبرز مستوى التحديات ، في التطلع نحو دمج الشباب في مجتمع ، والوعي العميق بالمشكلات التي تتفاعل في الواقع ، عبر الفهم الجاد و الأصيل للمشكلات و السعي نحو فهمها و استيعاب العلاقات التي أفرزتها ، و الوقوف العميق على اسبابها ، و التعاطي معها بروح المسؤولية ، و حث النظر نحو إبراز مواطن القوة في المجتمع ، وتمييز مفاصل القدرة الكامنة ، والعمل على تثوير الطاقات واستثمارها بما يخدم التنمية المجتمعية . أما على مستوى المتغيرات ، فالأمر يبقى مرتبطا بالإيمان الصادر عن الذات حول قيمة الشباب ، بوصفهم محرك الفعل و مصدر قوة التغيير . لا سيما و أن عالم اليوم يعيش أحوال الثورة المعلوماتية والاتصالية و التقانية ، والذي ما انفك يعيش على الحراك والتجديد و الابتكار ، و السباق المحموم نحو المستقبل ، حيث الواقع الافتراضي و الاقتصاد الرمزي ، وسيادة العلاقات الرقمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، تلك التي تمكن من خلالها الشباب إسقاط أنظمة استمرأت لعبة السيطرة والسطوة والهيمنة .
جميع الحقوق محفوظة (ميل نيوز)