قانون انتخابات من دون ناخبين

قانون انتخابات من دون ناخبين

+A -A
  • 6-03-2023, 20:20
  • 101 مشاهدة
  • اراء ومقابلات



كتب .. اسامة شهاب حمد الجعفري

اولاً: مشكلتنا العزوف الانتخابي لا النظام الانتخابي :
اهتمت الاوساط البرلمانية و الاعلامية بتعديل قانون الانتخابات نحو اعتماد نظام الدائرة الواحدة بدلاً من نظام الدوائر المتعددة, و بغض النظر عن مدى تحقق المصلحة العامة في ايِّ من النظامين , فإن الشيء المهم الذي لم تهتم له تلك الاوساط هو "العزوف الانتخابي" و كيفية معالجته,

و كأنهم يشرعون قانون ينظم الانتخابات من دون ناخبين , فما قيمة قانون الانتخابات اذا لم يكن هناك "مشاركة انتخابية" واسعة تحقق الشرعية للنظام السياسي الذي تنجبه صناديق الاقتراع. انشغلت تلك الاوساط بمناقشة بنود قانون تعديل قانون الانتخابات و لم تناقش الارقام التي تعلن عن نسب الاقبال على هذه الصناديق التي تختبر الديمقراطية .

قوى سياسية تريد الدائرة الواحدة , و قوى سياسية اخرى تريد الدوائر المتعددة , و سبب احتدام هذا الصراع على تعديل القانون يكمن في ان جميع القوى متفقة على وجود "عزوف انتخابي" لذلك هي تتصارع حول النظام الانتخابي الذي يحقق مصلحتها الحزبية و يجنبها ضرر ظاهرة العزوف الانتخابي , و لو انهم ركزوا على أُس المشكلة و وجوهرها لما اختلفوا على النظام الانتخابي , إذ إن مأزق العملية الانتخابية في العراق ليس في قانون الانتخابات و ليس في النظام الانتخابي و انما في "العزوف الانتخابي" للجماهير , و لو لم يكن هناك عزوف انتخابي لما اختلفت القوى السياسية حول الانظمة الانتخابية. و كأنهم يشرعون قانون انتخابات من دون ناخبين , فما قيمة نظام الدوائر المتعددة اذا كانت نسبة المشاركة في الانتخابات ضئيلة , و ما قيمة نظام الدائرة الواحدة اذا كان السواد الاعظم من الشعب لم يتحرك نحو صناديق الاقتراع في يوم الاقتراع. وما قيمة الانظمة الانتخابية جميعها اذا لم تدلي الاغلبية الصامتة بصوتها في جوف صندوق الاقتراع لتمنح الشرعية للنظام السياسي؟


مرت على العراق خمس دورات انتخابية منذ سقوط النظام السابق إذ سجلت انتخابات العام 2005 مشاركة بنسبة 79‌%، و62,4‌% عام 2010، و60‌% عام 2014 و44.52‌% عام 2018, و سجلت انتخابات 2021 اعلى نسبة عزوف عن المشاركة إذ بلغت 42.15‌%. و هذا التدني في نسب المشاركة العامة لم تناقشه القوى السياسية ولم تفتح ملفاته لتجد له حلاً , و لكن هذه النسب هي مؤشر على ان الديمقراطية مصابة مختلة يستدعي علاجها , فليس ضرورياً ان يكون العزوف عن المشاركة في التصويت هو معاقبة الطبقة السياسية الحاكمة بل قد يكون عدم اكتراث من قبل الناخبين بالديمقراطية (اهمال) , تشريع قانون يتضمن التصويت الاجباري هو وحده يعيد انتعاش الديمقراطية في العراق , فكلما بقت مشكلة "العزوف الانتخابي" بعيدة عن المعالجة كان هناك احتكار للسلطة و انتقاص في الشرعية مما يعني عدم الاستقرار السياسي .


مكافحة العزوف الانتخابي في العراق لا تقل اهمية عن مكافحة الفساد لان كلاهما يقود الى اهتزاز النظام السياسي و عدم استقراره و عدم تمتعه بالشرعية الكاملة غير المنقوصة . ان فرض التصويت الاجباري كان خيار استراليا منذ عام 1924 لدمج المهاجرين في الحياة العامة و تحقيق التحول الديمقراطي لهم اذ بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الاخيرة 92‌% , و استعملتها ايضاً لتهذيب الحياة السياسية و الحزبية في استراليا فقد قضى التصويت الاجباري على الاحزاب الشعبوية فلم تحصل هذه الاحزاب على اصوات الاستراليين سوى 1‌% . و في قبرص و اليونان و بلجيكا و لوكسمبورغ من الدول الاوربية حيث التصويت ليس حقاً فحسب و انما واجباً قانونياً , و فنزويلا و سنغافورة و تايلند و الفلبين والارجنتين و غيرها كثير.


ثانياً: التصويت بين الحق و الواجب


وصفت المادة (20) من الدستور العراقي التصويت بانه "حق". والحق يعني ان يمتلك الفرد الحرية في ممارسته او تركه , بينما التصويت الالزامي يعطيه مفهوم "الواجب" يتعرض من يمتنع عن ممارسته الى العقوبة و ان تشريع قانون يلزم الفرد بالتصويت هو قانون غير دستوري. الا ان ذلك ليس صحيحاً و هذا التعارض ظاهري و يمكن ايضاح ذلك من خلال بيان معنى التصويت الالزامي اولاً, و تحديد المفهوم القانوني للـ"الحق" ثانياً.

معنى التصويت الاجباري:

لا يتعارض التصويت الالزامي مع "الحق في التصويت" و يبقى التصويت كما وصفه الدستور العراقي "حقاً" اذا ما اقتصر الالزام في هذا التصويت على اجبار الفرد على تسجيل حضوره في سجلات الاقتراع و وضع ورقة الاقتراع في صندوق الاقتراع , اما في اختيار احد المرشحين من عدمه فيكون حراً في ذلك. فالاجبار مقتصراً على تسجيل الحضور يوم الاقتراع دون الاجبار في الانتخاب او التصويت لاحد , و تبقى حرية الفرد قائمة دون مساس فمفهوم التصويت الالزامي هو الزامية تسجيل الحضور في كابينة صندوق الاقتراع بعد استلام ورقة الانتخاب فقط دون الزامية انتخاب احد.

و من زاوية اخرى , يبقى التصويت حقاً اذا ما كانت طريقة الالزام عن طريق الحوافز لا العقوبة , فيمكن تحفيز الفرد في ممارسة حقه بدل العقوبة من خلال تشريع قانون تحفيزي يقرر حزمة تشجيعية للتصويت يوم الاقتراع كالإعفاءات الضريبية او اولوية في التوظيف او خصم من اجور النقل العام او تذاكر السفر او خصم من اجور المستشفيات العامة , او منح قروض مصرفية بفائدة منخفضة و غيرها من الحوافز, فمن خلال التحفيز يبقى التصويت حقاً و لا يتحول الى واجب يستحق من تركه العقوبة. و من ثم يتحقق التوفيق بين المعنى الظاهر لمصطلح "الحق" و الدستور بتحفيز الفرد نحو ممارسته . فالذي يميز الحق عن الواجب هي العقوبة في حال تركه. و بما ان العقوبة غير موجودة و حل محلها "التحفيز" يبقى التصويت الالزامي "حقاً" موافقاً للدستور العراقي.

المفهوم القانوني للـ"الحق" :

الدستور هو وثيقة قانونية تنظم العلاقة بين الفرد و الدولة, لذا فان وصف الدستور العراقي للانتخاب بانه "حق" للإنسان العراقي جاء في سياق الخطاب موجه للدولة مفاده من انها لا تملك صلاحية الانتقاص من هذا الحق بالمنع او التقييد, هذا من جهة , من جهة اخرى , قد يعطي "الحق" معنى الواجب , فمثل ولاية الاب على اولاده القاصرين فهي حقاً مقتصراً على الاب بقوة القانون ولا ينازعه فيه احد و على الجميع احترامه , و لكنه في نفس الوقت لا يستطيع الاب ان يملك الحرية في التنازل عنها او عدم ممارستها او تركها لمجرد كونه حقاً له لتعلق مصلحة الغير به (اولاده الصغار) فيكون مسؤولاً عن الاضرار بهم لعدم ممارسته ممارسة تحقق مصلحة اولاده القاصرين , و كذلك الحال في حق السلطة التشريعية في التشريع فانه يتضمن حق مقتصر على البرلمان و يلتزم البرلمان بتشريع القوانين لتعلق مصلحة الشعب و حقوقه بها فلا يملك البرلمان حرية التشريع و انما واجب التشريع . و بطبيعة الحال فان حق التصويت و الانتخاب حق يتعلق به مصالح الغير "الشعب" و يتوقف على ممارسته الاستقرار السياسي و الاجتماعي و صيانة منظومة الحقوق و الحريات في الدولة , و ان عدم ممارسته من قبل الفرد فيه إضرار بالمجتمع و ينتهك النظام العام اذا تحولت الى ظاهرة , و الدستور عندما اقر للفرد بالحقوق السياسية و الاجتماعية فانه اخذ ميثاقاً منه الا يضر بالغير(المجتمع) , و من ثم فان حق الانتخاب مقيد بعدم الاضرار بالمجتمع و ليس حقاً انانياً يفرغ الديمقراطية من محتواها طالما تعني حكم الشعب فهي –اي الديمقراطية- نتاج ممارسة كل فرد لحقه في التصويت , و العزوف الانتخابي لا يفرز الارادة العامة , فالمعنى القانوني للحق هو ليس معنى الاستئثار الفردي للحق لتعلق مصلحة الغير (المجتمع) فلا يملك ان يتنازل عنه او يعطله اذا ما تضرر منه المجتمع لان ممارسة الفرد لحق الانتخاب لا تكون في الفراغ و انما في وسط المجتمع و هو يشارك مع غيره لتأسيس الحياة العامة فالحق في الانتخاب يشبه مالكاً لأراضي زراعية يعيش عليها مئات الفلاحين يرفض زراعتها و لا يسمح بغيره ان يزرعها بحجة ان له حق ملكية لا يستطيع ان يجبره احد على زراعتها او تمكين الغير من زراعتها فتتحول حق ملكية هذه الاراضي الى وبالاً على المجتمع بدلاً من ان تكون مصدراً للخير العام , لم يوجد حق التصويت لمصلحة الفرد و انما وجد لمصلحة المجتمع ايضاً لتكوين الارادة العامة و تحقيق التمثيل الحقيقي للشعب في ادارة الدولة لضمان الحقوق. و بناءً على المفهوم الاجتماعي للحق يلتزم الفرد بموجب الدستور في ممارسة حقه في التصويت لانه عضو في الجماعة و ملتزم في تحقيق صالح الجماعة .