التصحر يحيط بها .. ذي قار بلا زراعة ولا مساحات خضراء ولا متنزهات

التصحر يحيط بها .. ذي قار بلا زراعة ولا مساحات خضراء ولا متنزهات

+A -A
  • 27-03-2023, 12:41
  • 390 مشاهدة
  • اراء ومقابلات

علاء كولي

منذ ما يقارب العشر سنوات، كانت ملامح التغيير بمشهد الحياة الزراعية والمائية في ذي قار قد بدأت بوادرها تظهر بشكل لافت، حيث ازدادت المباني والمنازل على حساب الاراضي الزراعية التي تراجعت وجرفت البساتين في أماكن واسعة من المحافظة، لتشكل هاجسا مخيفا لدى السكان حول مستقبل وجودهم في تلك الاماكن.


تعتبر محافظة ذي قار من المدن التي تشتهر بالزراعة ويزرع فيها أغلب المحاصيل الشتوية والصيفية، لكن تلك المساحات الزراعية والمحاصيل بدأت تتراجع يوماً بعد آخر بعد العام 2003، إذ هاجر الفلاحون، فيما تم تجريف البساتين وتلك المساحات لتتحول الى أبنية على الرغم من مخالفتها الضوابط التي تم منحها للفلاحين. 


وبحسب الضوابط التي تمنحها دوائر البلدية بشأن المساحات الزراعية، فإن نسبة البناء في الاراضي الخضراء لا تزيد عن 20% فيما تخصص المساحات الاخرى لإنشاء مشاتل بيع وزراعة النباتات والأشجار، لكن هذه النسبة لم يجرِ العمل عليها وازدادت مساحة التجاوزات على الاراضي الزراعية يوماً بعد آخر.


التصحر يتسع


ليست ذي قار وحدها فقط من شهدت اتساع ظاهرة تحول المتنزهات والمساحات الخضراء الى أنشطة تجارية لمتنفذين وتابعين لأحزاب وشخصيات بارزة، لكن ما يحصل فيها انه قد شهد توسعا كبيرا من كل نواحي المدينة، وبحسب مصادر في دائرة البلدية فإن هناك أكثر من 100 ألف متجاوز على الأراضي الزراعية حتى الآن، وفي مركز المحافظة فقط هناك 45 الف متجاوز على الأراضي الزراعية.


وعلى الرغم من كل الدعوات الحكومية للاهتمام بالزراعة والحملات التي تطلقها، سيما ما تقدمه دوائر البلدية، الا أن تلك الحملات سرعان ما تنتهي بسبب فقدانها للإدامة، حيث تقوم بعض البلديات بزراعة الكثير من الاماكن وتقوم بالتشجير بشكل دائم لكن الإهمال وعدم الإدامة يسبب بفقدانها وموتها.


يقول الخبير الزراعي ومدير زراعة ذي قار السابق صالح هادي، إن "أكثر من ٦٠% من اراضي ذي قار تأثرت بشح المياه عام 2022، أما الأمطار الأخيرة في هذا الموسم فقد ساهمت في زراعة مساحات واسعة إلا أنها في هذا الوقت تحتاج إلى عدد من الريات حتى نهاية الموسم وهنا تتجدد المشكلة لنقص المياه قبل قدوم فصل الصيف".


يضيف هادي أن "من المشاكل الأخرى هي معاناة أصحاب بساتين النخيل ومربي الحيوانات وصيادي الأسماك في مختلف مناطق المحافظة بشكل عام، أما مناطق الاهوار فوضعها يمثل شكل خاص فهو قلق ومتذبذب".


ويكاد يكون التصحر وغياب المشهد الزراعي في ذي قار بشكل لافت على الطرق الخارجية وكل جوانب المدينة، حتى ملف الحزام الأخضر الذي تبنته الأمانة العامة لمجلس الوزراء منذ أكثر من سنتين لا يزال يمشي بخطى ثقيلة وبطيئة، وكاد أن يكون متعثرا.


يؤكد رئيس الجمعيات الفلاحية حسين نعمة، أن "نسبة التصحر في ذي قار وبحسب التقديرات الخاصة بنا فإنها قد بلغت 70% من مساحة الأراضي الزراعية، بسبب شح المياه وهذه الأزمة هي بصراحة عامة بكافة مدن العراق".


ويضيف أن "نسبة تجريف البساتين القريبة من المدن أو المحيطة بها قد بلغت بحسب التقدير 30% وأغلبها بساتين نخيل حيث يتراوح عمرها أكثر من 100 عام وأصبحت بلا فائدة مما يدفع الفلاح لتجريفها، هذا من جانب، أما من جانب اخر فإن بساتين النخيل التي تضررت بسبب شح المياه فيمكن القول إنها 60% وأغلبها في مناطق جنوب الناصرية".


زحف عشوائي وهجرة للأرض


يقول الخبير الزراعي ورئيس الجمعيات الفلاحية السابق بذي قار مقداد الياسري، إن "هناك أسباباً واضحة لتراجع المساحات الخضراء بذي قار تتعلق بدرجة أولى بتجريف البساتين والذي حصل في المناطق المحيطة بمراكز المدن وأغلب تلك المراكز هي عبارة عن أحزمة خضراء تحيط بالمدن".


يشير الياسري، إلى أن "التوسع الذي حصل للسكان بذي قار والزحف عليها بطرق خارج نظام الإسكان تحصيل حاصل، باعتبار أن هناك عجزا بعملية تنظيم الإسكان للمواطنين، إضافة للمنشآت العامة وتطورها حيث أصبح هناك معامل وساحات وهذه كلها صارت في المساحات الخضراء وبساتين النخيل، حيث يقدر حجم بساتين النخيل 42 الف دونم، والذي تعرض منها للتجريف والتوسع العشوائي بلغ ما يقارب 10 آلاف دونم".


تأثيرات الجفاف على المحافظة كما يوضح الياسري، سببها أن "ذي قار مدينة تعتمد بشكل أساسي على الخطط الزراعية وعلى تنفيذ تلك الخطط لأن أغلب المواطنين والفلاحين ليس لديهم موارد سوى الزراعة في القرى والارياف وفي هذه المناطق تشكل فيها كثافة سكانية تصل لـ65%، وكذلك القوى العاملة بالقطاع الزراعي تقدر بـ40%".


انخفاض المساحات الزراعية له تأثير مباشر على سكان المناطق الزراعية وتأثيراتها الإنتاجية المعاشية مباشرة لأنه المورد الاقتصادي للعوائل الفلاحية، وبالتالي انعدام هذا الموضوع هو انعدام مصدر معيشة تلك العوائل حيث يسبب اختلالاً بالتوازن من حيث الهجرة للمدينة والتي تؤدي الى أن تصبح الأرض غير زراعية، بحسب الياسري الذي يردف قائلاً: "فقدنا الإنتاج الذي يؤثر على مراعي تربية الحيوانات ومغادرة المربين لمواشيهم وهذا له اثرا اقتصاديا هائلا".


شح المياه أيضا كما يقول الياسري، "تركت أثرا سلبيا منها تقليص الرقعة الخضراء والتي تؤثر على البيئة وجمالية المدن يضاف اليها أن هناك محاصيل زراعية انعدمت زراعتها بالمحافظة بالكامل مثل الشلب، بعد أن كانت الخطة خلال السنوات الماضية تصل بحدود 40 الف دونم".


سجلت ذي قار خلال السنوات الخمس الأخيرة، مشاحنات ومناكفات عشائرية حصلت في أكثر من منطقة جنوب الناصرية بسبب شح المياه، فيما أقدمت بعض القبائل على فتح الأنهر الفرعية بالقوة بعد أن شحت المياه عنها، في مناطق شمال الناصرية، ففي العام  2019 فقط سجلت ذي قار 20 نزاعا عشائريا بسبب المياه.


وتشكل قصة التجاوز على الحصص المائية على عمود نهر الغراف بدءا من دخوله اراضي محافظة ذي قار، قادما من سدة الكوت واحدة من أكثر الاسباب تأثيرا على الحياة الزراعية، وهي مشكلة لم تجد لها حلا، على الرغم من تحرك القطعات العسكرية برفقة فرق وزارة الموارد المائية الا انها لم تنتهِ. 


وبحسب تقارير صادرة من البنك الدولي فقد أكدت بأن العراق سيصل الى الجفاف الكامل بحلول عام 2040 بعد أن تراجعت حصة الفرد من الماء الى 2000 متر سنويا بعد أن كانت تفوق 6000 متر خلال الأعوام القليلة الماضية.


استحواذ


ساهم التأثير السياسي ومحاولة الاستحواذ على الأماكن المهمة بداخل المدن على أغلب المواقع التي يتم التأشير عليها بأن تكون متنزهات أو منطقة خضراء، لتصبح مشاريع تجارية أو مشاريع صناعية بداخل المدن أو معامل خاصة يتم منحها وفق نظام المساطحات، كما يقول علي المياحي وهو متابع للشأن المحلي.


يضيف المياحي، أنه "منذ العام 2013، تقريبا بدأت ظاهرة التجاوز على المساحات المخصصة بأن تكون مشاتل أو حدائق عامة لتصبح مناطق خاصة لبعض المسؤولين، فعلى سبيل المثال المنطقة المحاذية لنهر الفرات بالناصرية، أصبحت محميات خاصة للمسؤولين، وهي تقع على محرمات النهر، لم يتجرأ أحد على إزالتها الا البعض منها".


وحتى دوائر البلدية، بحسب المياحي، "تفتقر للابتكار والابداع والافكار في انشاء حدائق أو متنزهات، ففي الناصرية مركز المحافظة هناك متنزهات عدد 2 فقط وهذان  يشهدان اكتظاظاً بشرياً في المناسبات، اضافة لبعض الحدائق العامة التي لا تتجاوز 20 حديقة، وأغلبها مهملة وتفتقر للمنشآت أو بعض الوسائل الخدمية الأخرى".


يزيد في القول، إن "الناس أيضا تساهم في تخريب المتنزهات والمساحات الخضراء من خلال رمي الاوساخ فيها، ويزداد الامر سوءا حينما تتغافل الاقسام الخدمية او الاقسام الخاصة بالحدائق في البلديات من التنظيف حتى يتراكم كل شيء، وهذا ما نشاهده في استمرار في أغلب المناسبات في الناصرية".


تخريب


يؤكد مصدر مسؤول في بلدية الناصرية فضل عدم ذكر أسمه، أن دائرة البلدية تعاني من مشكلة مستمرة بشأن الحدائق بعد الانتهاء منها واكمالها وافتتاحها للمواطنين، تتمثل بسرقة تفاصيل الحديقة، ففي الآونة الأخيرة تعرضت أحدى الحدائق في نهاية شارع الحبوبي، للسرقة حيث سرقت مواتر المياه الخاصة بها، وسرقة بعض المقاعد".


يضيف: "قبل فترة تم انشاء حديقة جميلة قرب مندى الصابئة على نهر الفرات، تعرضت للتخريب وتكسير للألعاب وقلع بعض النباتات من قبل بعض المواطنين، كما يشهد متنزه الناصرية منذ ايام سفرات مدرسية وجامعية اليه لكنه يتحول مع كل سفرة الى مكب للنفايات بسبب عدم الالتزام بالنظافة هناك".


في العام 2022 قالت الحكومة المحلية في ذي قار، إنها خصصت 50 مليار دينار لإنشاء مشاريع كورنيش في الوحدات الإدارية كافة وإنشاء حدائق ونافورات على جانبي النهر ونصب تماثيل وأماكن ترفيهية وشارع ثقافي وملاعب أطفال ومتنزهات للعوائل.