ديمقراطية الفوضى

ديمقراطية الفوضى

+A -A
  • 12-04-2023, 21:40
  • 341 مشاهدة
  • اراء ومقابلات

كتب .. سيف نايف


يقول المؤرخ الفرنسي ألكسيس دو توكفيل، إن الديمقراطية هي الحكم الذاتي، حيث يحكم المجتمع ذاته ومن أجل مصالحه الخاصة، وذهب ماكس ليرنر بتعريفه على أن الديمقراطيــة فــي المقــام الأول تعنــي الحريــات المدنية والسياســية، وحماية حقوق الأغلبية والأقلية من خــلال الضمانات الدســتورية. وهي ثانياً ليست فقط سياســية، ولكــن أيضــا اقتصاديــة، بمعنى حرية العمل، وتملك الأعمال، وحرية الفرص الاقتصادية. وهــي ثالثا تعني حكــم الأغلبية عن طريــق نواب يتم اختيارهــم بالانتخــاب، فهل المجتمع العراقي يتمتع بالديمقراطية الحقيقية؟
بدأ الامر بأعلان الولايات المتحدة الامريكية عزمها انشاء نظاماً ديمقراطياً يختلف عن سلفه بعد غزوها العراق عام 2003، ألا أن العراق اليوم يواجه مشكلة حقيقية ألا وهي كيفية تكريس الديمقراطية في بلداً عانى من حقبة طويلة من حكماً دكتاتورياً بطش بالشعب حتى انساهم حقوقهم، فبعد 20 عاماً من تغير نظام الحكم وإعلان العراق بلداً ديمقراطياً لا ابالغ حين اوصف ما حدث ويحدث بالديمقراطية الفوضوية.
بعد الموافقة على الدستور العراقي الجديد في عام 2005، بنسبة 78% من مجموع المشاركين في الاستفتاء عليه، اعتبر الحاكم المدني بول بريمر أن هذه العملية إنجازاً تاريخياً للولايات المتحدة أولاً، ثم للعراقيين ثانياً، باعتبار أنها بداية طريق الألف ميل نحو الديمقراطية التي راهنت واشنطن أن يكون العراق الجديد فيها وبها مصدر إشعاع وتنوير لعموم الشرق الأوسط، وتحديداً للمنطقة العربية، فهل نجح الامريكان في تحقيق ذلك؟
بالرغم من تمييز النظام السياسي في العراق بالديمقراطية النيابية او التمثيلية ويختار الشعب فيها من ينوب عنه لكي يمارس السلطة، يبقى الشعب المصدر لهذه السلطة لكنه لا يمارسها بنفسه بل يفوضها الى حاكم يختاره، لكن من الصعب وصف النظام السياسي في العراق بالنظام الديمقراطي لان الديمقراطية ليست اقوالاً فقط بل هي أن يملك الشخص الحق وصلاحية التصرف او الكلام او التفكير كما يريد دون أي ضوابط أو حدود، وإن السماح بقيام أحزاب ومنظمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني، وإجراء انتخابات دورية لتشكيل سلطة تشريعية لا يعني تحقيق الديمقراطية ايضاً بل إن التحقيق يتطلب إدراك القوى السياسية والمجتمع لهذه الفكرة والعمل على انجاحها حتى إن تعارضت مع مصالحهم الذاتية، ومن الصعب ايضاً وصف هذا النظام بالديمقراطية النيابية لكونها تعني الاعتراف بالانتخابات مهما كانت نتائجها لأنها خيار الشعب، وليس التشكيك والطعن فيها وعدم الاقتناع بنتائجها كما حصل في السنوات القليلة الماضية، فتارة تصبح الانتخابات مزورة لعدم تحقيق تحالف سياسي المقاعد التي كان يروم تحقيقها، وتارة تصبح الانتخابات نزيهة ولا يمكن اعادتها بعد صعود مرشحين هذا التحالف الى البرلمان بعد انسحاب نواب ندهم المباشر.
فالمهزلة التي حدثت بعد الانتخابات الأخيرة كفيلة بإثبات بإن الديمقراطية في العراق هواء في شبك، وأن عدم اقتناع بعض الأطراف السياسية بنتائج الانتخابات ومنعهم الطرف الفائز من تشكيل الحكومة ما هو الا انقلاباً على الديمقراطية التي تم تصديع رؤوسنا بها، اما المهزلة الأكبر عندما طل علينا سياسيين كبيرين ويقترحون بأن الحل يكمن بتعويض الخاسرين والمضي لانتخابات مبكرة، لا عجب اذن أن كانت الديمقراطية فوضوية لأن أنصارها لا يكترثون لأحكام الدستور واحترام اختيار الشعب برفضهم ويقترحون تعويض الخاسرين خشية من سلاحهم.
في ديمقراطية الفوضى لا عجب اليوم أن يكون ممثل الشعب في السلطة بلا صوت داخل البرلمان وصوته هو صوت زعيمه لا صوت جمهوره، فالكثير من الأحزاب والحركات والجهات الى الخ... من المسميات السياسية تجبر مرشحيها قبل الانتخابات أن يوقعوا على استقالاتهم دون تاريخ او تصويره يقسم على القرآن الكريم بأنه سينفذ اجندة زعيم حزبه لا مطالب جماهيره، وعند وصول المرشح الى داخل البرلمان يتم الضغط عليه عبر هذه الاساليب للخضوع التام لزعيم الحزب، ولا عجب ايضاً في ديمقراطية الفوضى أن تحدث ممارسات دكتاتورية يمارسها بعض زعماء الأحزاب السياسية تجاه معارضيهم رغم ما كفله الدستور من حرية التعبير عن الرأي.


 


وفي ديمقراطية الفوضى لا عجب ايضاً أن يكون هناك سياسياً بلا مبدأ فتارة نراهم يتصارعون ويتبادلون تهم الخيانة وتارة نجدهم أصدقاء وشركاء في الوطن لكن هذا الامر غير صحيح فجميع الطبقة السياسية التقليدية بلا استثناء تريد الديمقراطية في العراق أن تكون بشكل غير ناضج أو مزورة من سوق (مريدي) كما وصفها الدكتور اياد العنبر في أحد مقالاته لأن بمجرد إدراك الشعب لمفهوم الديمقراطية بالشكل الحقيقي سيكون ذلك بالتأكيد نهاية لهذه العملية السياسية العرجاء.
فالديمقراطية ضرورة أنسانية وهي ليست سلعة تشترى بل هي حركة ذاتية تنشأ بأدراك ضمير المجتمع ووجدانه، ولا يمكن تصديرها كما ادعى العم سام عند احتلال العراق، والديمقراطية ليست عملية تبديل نظام الحكم فقط بل مشاركة شعبية جادة وفعالة لعملية معقدة في إدارة الدولة، لذا يتوجب على الجميع لا استثني احداً التثقيف نحو الديمقراطية الحقيقية لأنها الأساس الممكن لتحقيق رفاهية الشعوب، لكن أن استمرت الديمقراطية في العراق بهذا الشكل الفوضوي سيؤدي ذلك الى شكل من الديمقراطية المقيدة أي بمعنى ديمقراطية الاسم فقط سيجرد الجميع من حريته ويتقيد الى أن يصل الحال الى الدكتاتورية.