موازنة برهان المغامرة
كتب/ رزاق عداي
ان يكون عجز الموازنة برقم يخالف ويفوق النسبة المتفق عليها بكثير وهي 3%من اجمالي المبلغ المخصص للموازنة السنوية، فهذا الامر يعد من اخطر الامور، فهو بالضرورة يقود الى الدين الخارجي او الداخلي وكلاهما من اسواْ الامور،، هذا على وجه العموم يشمل كل اشكال الاقتصادات في العالم، اما ان يكون اقتصاداً ريعيا لبلد مثل العراق يعتمد على اسعار سلعة متذبذبة حتى على مدى اليوم الواحد، كما انها مرتهنة الى تقلبات سياسية عالمية واقليمية فهذا الامر يصنف في خانة المغامرة.
قانون الموازنة العراقي يعد الاضخم مقارنة مع كل موازنات بلدان المنطقة في حجم المبالغ المعتمدة، بموازاة بنود قانون هي الاخرى على مستوى عال من البذخ خصوصا في الجانب التشغيلي منه الذي يعد اساس ومصدرالخطورة فيما لو تعرضت اسعار النفط الى الهبوط وهذا الامر يعتبر متوقعا تماماً، اذا عرفنا ان من مغذيات اسعار النفط العالمية في السنة الماضية هي استعار الحرب الروسية -الاوكرانية.
فاذا ما ادركنا ان الحروب لا تستمر الى الابد، فما الذي سيفعله العراق اذا ما لعبت الصدفة لعبتها وانهت هذه الحرب الاخيرة؟
ومن المغامرات الاخيرة تغير سعر العملة عن طريق قرارات حكومية مركزية التي قد تحدوها او تتقدمها نزعة سياسية او اهداف نسبية قد تكون حزبية او انتخابية، فالعملة لم تعد الخازنة الرمزية للقيمة الاقتصادية فقط وفقاً للنظريات الاقتصادية الكلاسيكية، فمفوم الراسمال المالي تطور كثيرا في الازمنة الحديثة وبات هناك سوق مالي نقدي مستقل عن النشاط المادي السلعي، كبورصات واسهم وسندات ومضاربات اخرى، فطروحات الاقتصادي الامريكي الحائز على جائزة نوبل (ملتون فريدمان) زعيم مدرسة شيكاغو للاقتصاد، التي فككت ازمة مطلع السبعينات النقدية التي تعرض لها الاقتصاد الراسمالي برمته، مغيرة مجمل المفاهيم ومزحزحة المصطلحات، ومنها مفهوم النقد الذي بات يحوز على قدر من الاستقلال والكيان الذاتي بعيدا عن النشاط الانتاجي، واصبح هو الاّخر يخضع الى تفاعل العرض والطلب في اسواقه الذي ينتج في نهاية المطاف عن سعر واحد لقيمة العملة مقاساً بسعر قياسي، اما في الاقتصادات ذات الملامح المشوهة والمتداخلة بين مركزية القرارات الاقتصادية بصدد تغير سعر العملة من ناحية وتفاعل السوق من ناحية اخرى، فالبضرورة سيكون هناك اكثر من سعر واحد للعملة، وهذا هو ما حاصل في الاقتصاد العراقي اليوم، فخلال اقل من سنتين اقدمت الحكومات العراقية على اجراء تغيرات في سعر العملة العراقية نزولا وصعودا مما ادى الى حدوث تذبذبات في الاسعار، وتشكل سعر حكومي مركزي تعمل بموجبه مؤسسات الدولة، وسعر اخر موازي ناجم عن تفاعل يفرزه السوق، وكل هذه الظواهر من شاْنها ان تخلق اظطرابا في النشاط الاقتصادي وشللاً استثماريا في كافة العمليات الاقتصادية، ناهيك عن فقدان الثقة بالعملة المحلية من قبل الاستثمار الاجنبي.
لقد كانت اغلب الازمات الاقتصادية في القرن العشرين ذات جوهر نقدي انطلاقاً من تاريخ الازمةالتي اطلق عليها - الازمة الكبرى - في عموم العالم في عام 1929 والتي امتدت لثلاث سنوات، وتتابعت بعد ذلك الازمات النقدية بين تضخم تارة وركود حيناً حتى حدثت الطامة الكبرى الاخرى في سنوات السبعينات كما اسلفت، فكانت ذات طبيعة مركبة جمعت بين الركود والتضخم في اّن واحد وفي ظاهرة غير مسبوقة.
وقد شكلت تكرار حدوث الازمات المالية في الدول المختلفة خلال حقبة التسعينات من القرن العشرين ظاهرة مثيرة للقلق والاهتمام،، وذلك نظراً لما صاحبها من اّثار سلبية حادة وخطيرة هددت الاستقرار الاقتصادي والسياسي للدول المعنية، هذا بالاضافة الى عدوى تلك الازمات التي امتدت لتشمل دولاً اخرى، وذلك كنتيجة للانتفاع الاقتصادي والمالي التي تشهده تلك الدول في ظل ظاهرة العولمة، وما ينتج عنها من تزايد في اوجه الترابط والتشابك وعلاقات التاْثر والتاْثير وخصوصاً في مجال النشاط النقدي المتبادل بين بلدان العالم كافة.
أول بعض المسوؤلين الحكوميين الايحاء بان حجم موازنة 2023 سوف يحل الكثير من مشاكل العراقيين اللامتناهية، واكثر الظن ان لو كان حجم الموازنة الف ترليون دولار فان النتيجة لا تختلف عن نتائج الموازنات السابقة، صحيح الوفرة المالية من شانها ان تجعل وضع الحكومة مريحا، ولكن في العراق الوضع يختلف تماما بفضل المحاصصة والفساد اللذان فرغا الموازنات القديمة من اهدافها، كما ان الاجيال الجديدة من اللصوص والفاسدين الرسمين - استطاعوا ان يحققوا طفرة مليارية في عمليات النهب عجزت حتى اكبر المافيات في العالم ان تنافسهم، وميزة هؤلاء الناهبين التي يختلفون بها عن مافيات العالم ان عملياتهم تتم بغطاء قانوني ومشرعن ولا غبار عليه
جميع الحقوق محفوظة (ميل نيوز)