"ندوب باقية".. حرب أكلت مدناً عراقية وإعمار مكبل بـ"الفساد"

"ندوب باقية".. حرب أكلت مدناً عراقية وإعمار مكبل بـ"الفساد"

+A -A
  • 27-07-2023, 12:43
  • 211 مشاهدة
  • اراء ومقابلات

حسن الشنون 

كل شيء عند حوراء الجبوري بات أحلامًا وذكريات، فالمنزل الذي يؤويها في مدينة الموصل القديمة، حوله تنظيم "داعش" الإرهابي في 21 حزيران 2014، إلى حطام مع الآف المنازل التي ما تزال شاهدة على حجم الجرمية، بينما تستمر الطواقم الحكومية في العمل على إزالة الركام وحصر الإضرار في نينوى والمدن المحررة الأخرى. 


فصولًا متعددة من المعاناة اجتمعت عند عائلة حوراء (31 عامًا)، فقر ومرض أضيف إليهما دمار منزلهم الذي يؤوي 13 فردًا، جميعهم ما يزالوا مشردين في مخيمات النزوح بمحافظة أربيل شمالي العراق. 


"الحرب أكلت الشجر والحجر، وندوب المعركة باقية حتى يومنا هذا"، تقول حوراء التي تعمل ناشطة في مجال حقوق الإنسان داخل مخيمات النزوح، وهي تخشى من إغفال ملف إعادة الإعمار مع تهالك البنى التحتية ونقص الوحدات السكنية في المدن التي حررتها القوات العسكرية العراقية بالتعاون مع التحالف الدولي من قبضة داعش. 


تدني نسب الإعمار، اثر على حياة المواطنين واخر عودتهم لمناطقهم بحسب حوراء، التي تطالب   بـ"ضرورة إيجاد حلول سريعة لمشكلتهم". 


بعد 6 أعوام مضت على تحرير محافظة نينوى ثاني أكبر المدن العراقية من حيث السكان، يتجدد الحديث عن حملات إعمار تلك المدن التي تعثرت كثيرًا خلال السنوات السابقة بسبب نقص الأموال، وسوء الإدارة وشبهات الفساد التي كانت تحوم حول غالبية تلك المشاريع. 


وقد طال الدمار الذي أحدثته الحرب ضد الإرهاب قطاع الصناعة، فدمرت مئات المصانع إضافة إلى أراضي زراعية واسعة، ما أدى إلى انتكاسة اقتصادية كبيرة لفئات واسعة من المجتمع في تلك المدن التي لم يتم تعويض أغلبها حتى الآن. 


كما شملت القطاعات المدمرة شبكات المياه والصرف الصحي ومحطات الكهرباء والمستشفيات والمراكز الصحية، بالإضافة إلى المدارس والمباني الحكومية الخدمية الأخرى. 


وبلغت كلفة الدمار، وفقاً لوزارة التخطيط العراقية، أكثر من 88 مليار دولار، كان نصيب الموصل منها قرابة 15 مليار دولار أمريكي، بعد تدمير أكثر من 56 ألف منزل. 


ووفق تقيم خبراء البنك الدولي فان احتياجات إعادة الإعمار في المدن التي دمرها تنظيم "داعش" الإرهابي تقدر بـ100 مليار دولار. 


تساؤلات


بطء عمليات إعمار وتطوير البنى التحتية في تلك المناطق، يطرح في الأذهان تساؤلات عدة أولها حجم أموال صندوق إعمار هذه المدن وما تم إنجازه؟، وفقًا لعضو لجنة النزاهة البرلمانية، باسم خشان. 


ويعزو خشان، غياب العدالة في توزيع الأموال وتنفيذ المشاريع في المناطق المحررة الى "المحاصصة السياسية"، مبينًا أن "هناك تحرك نيابي لفتح ملفات الإعمار التي شابها الفساد فضلاً عن معرفة مصير وحجم أموال الصندوق منذ تأسيسه". 


وفي الوقت الذي يؤكد فيه عضو البرلمان، تورط مدير صندوق إعمار المناطق المحررة، محمد العاني، في قضايا فساد كبرى، يكشف عن "فرض اتاوات على الشركات المنفذة للمشاريع الخدمية من خلال حصول الأحزاب على ما نسبته 10% من قيمة عقود المشاريع". 


وأقرت هيئة النزاهة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، "بوجود مشاكل في صرف النفقات وضياع سجلات مالية داخل الصندوق"، حيث طالبت في تقرير صادر عنها "بإعادة النظر في النظام الإداري داخل الصندوق الذي تأسس في العام 2015". 


خشان يشدد على ضرورة "إيجاد آلية مركزية لتحديد مشاريع البنى التحتية الضرورية وتشكيل فريق مركزي يشرف على تلك المشاريع من أجل ضمان العدالة والشفافية وإبعاد سطوة الأحزاب". 


وفي 25 حزيران 2023، قرر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إعفاء رئيس صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة من العمليات الإرهابية شمالي وغربي البلاد محمد هاشم العاني من منصبه، وذلك بعد أشهر من الجدل المتواصل حول أداء الصندوق وآلية توزيع المشاريع في المناطق والمحافظات.


وقال المتحدث باسم الحكومة، باسم العوادي، إن "الحكومة أعدت برنامجاً تفصيلياً لإجراء الإصلاحات الإدارية في الصندوق، وإعفاء الموظفين المقصرين أو المتلكئين، الذين تسببوا بهدر المال العام، وعدم تحقق الغرض المطلوب من الصندوق".


ومنح مجلس النواب في العام 2015، الصندوق صلاحيات واسعة في توزيع المشاريع وتحديد النفقات والأولويات فيها، ليكون جهازا ينسق بين المنظمات الدولية والوزارات العراقية في عمليات إعادة الإعمار في المناطق التي يجرى تحريرها من سيطرة تنظيم داعش.


أصوات الجرافات 


من رحم الحرب ولدت من جديد نينوى التي يعود تاريخها إلى الاف السنين، وشوهتها حربًا دامت ثلاث سنوات، وحلت اصوات الجرافات وأدوات البناء محل اصوات القنابل والانفجارات، وفي أعقاب الإطاحة بداعش عام 2017، سارت مهمة إعادة إعمار الموصل بوتيرة بطيئة لسنوات، حسبما يقول النائب عن المحافظة محمد العبد ربه. 


عضو مجلس النواب، بدا غير متفائل بإعادة إعمار المحافظات المحررة، وعزا ذلك إلى "قلة التخصيصات المالية". 


العبد ربه يؤكد أن "المؤسسات الدولية تساعد، لكن لا يكفي ذلك لإعادة الإعمار، لأن الحاجة الفعلية لهذا الملف كبيرة، ولا توجد إحصائية ورقم محدد لها، وما يزال الدمار موجود في الكثير من مناطق تلك المدن". 


وقال إن "المدينة آمنة، لكن البنية التحتية المتضررة لم يتم إصلاحها أو إعادة بنائها، نتيجة سوء الإدارة وشبهات الفساد التي تحوم حول الكثير من المشاريع". 


في العام الذي انتهت فيه المعركة، كان إجمالي الإيرادات الحكومية أقل بمقدار 22 مليار دولار من تكلفة إعادة الإعمار المقدرة بـ 88 مليار دولار لجميع المناطق المتضررة من الحرب.


جمع مؤتمر دولي للمانحين بالكويت في فبراير 2018 جزءًا بسيطًا من هذا المبلغ لكنه مكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من إصلاح معظم البنية التحتية للمياه والكهرباء.


لكن صفقات الفساد وعمليات الاختلاس عمقتا من معاناة العراقيين بعد اختفاء أكثر من مليار و8 ملايين دولار كانت قد خصصت لمشاريع إعادة إعمار المناطق المنكوبة، الأمر الذي أدى إلى تراجع الدول المانحة عن تقديم الدفعات المالية، في الوقت الذي يشهد فيه العراق انهيار خزينة الدولة وتعرضه لعجز اقتصادي قدر بـ 36 مليار دولار.


وفي خضم ذلك، وصف رئيس لجنة الصحة النيابية، ماجد شنكالي، الفساد في صندوق إعمار المناطق المحررة بـ"أنه أزكم الأنوف".


وعبر تغريدة على موقع "تويتر"، قال النائب عن محافظة نينوى، إن "إعفاء رئيس صندوق إعمار المناطق المحررة أمر مهم جدًا، والأهم أن يتبعه إعفاء مسؤولين آخرين لا يختلفون عمن تم إعفاؤه اليوم كثيرًا".


وأكد شنكالي أن "الفساد في هذا الصندوق وغيره من الصناديق والوزارات والمحافظات أزكم الأنوف"، مطالبًا "رئيس الحكومة أن تلي خطوات الإعفاء خطوات مماثلة".


"حكومة محمد شياع السوداني ماضية في محاربة الفساد لاسيما بعد زيارته لهيئة النزاهة والذي ابدى دعمه وتوصيله رسالة للمجتمع العراقي بانه سيحارب للفساد بكل اشكاله وصوره"، بحسب عضو لجنة الخدمات النيابية حيدر شيخان. 


وفي الوقت الذي تتطلع فيه حوراء للعودة إلى منزلها من جديد، تؤكد أن إعادة إعمار نينوى والمحافظات الأخرى، هي عملية دفع وجذب دائمة بين الأمل والتذكير بحجم العمل الذي ما يزال يتعين القيام به.