الهيئة العليا: انتهاء المرحلة الثانية للتعداد والنتائج ستعلن الأسبوع الحالي
المرور تقدم 7 نصائح للسائقين بسبب تدني مستوى الرؤية غداً الأحد
الصحة تصدر توضيحاً حول حقيقة انتشار أمراض الجلدية في المدارس
العراق يُخاطب العالم برسائل رسمية لكبح تهديدات "تل أبيب": نحن ركيزة الاستقرار
الأمم المتحدة: قلقون على أمن النازحين اللبنانيين العائدين من سوريا
"سرقة القرن".. رأس لا يساوي الثمن!
بغداد- ميل
لعل "سرقة القرن" أكثر ما طرق أسماع العراقيين في هذه الأيام توصيفا لفضيحة "نهب" الأمانات الضريبية والجمركية، وأثار فيما أثار فضول الكثيرين للتفكر بدلالات الجملة "العنوان" لأكبر جريمة فساد طيلة 100 عام وهو العمر الافتراضي نفسه للدولة العراقية القائمة على أنقاض الدولة العثمانية التي هي الأخرى لها حكاياتها الضريبية المأساوية الممتدة لقرابة خمسة قرون.
فمن يقلب تأريخ "قرن" الدولة وما قبله يجد أن الضريبة في العراق ظلت سرا قدريا يؤخذ دون وجه حق ودون فائدة منذ إنشاء مؤسسة الضريبة العراقية الأقدم بين نظيراتها في المنطقة كون العراق أول من سن قانون ضريبة الدخل في بواكير تأسيس الحكومة الوطنية عام 1920، (قانون الدخل رقم 52 لعام 1927 ) وعلى ضوئه تشكلت مديرية ضريبة الدخل، ومن ثم تأسست مديرية ضريبة العقار عام 1923 بينما قوانين الضرائب في بقية الدول العربية صدرت ما بعد عقد الأربعينيات.
وطيلة تلك الحقب ظل مفهوم الضريبة ملتبسا ومتلبسا مع الرشوة سواءً في ظلال العثمانيين الذين اعتمدوا على جباة محليين منتفعين أو في عهد الدولة التي ظلت تعتمد على إقطاعيين ومتعهدين يجبون رسوم الضريبة من الفلاحيين، ليشددوا هنا ويتغاضوا هناك حسب المنفعة، لذلك وجد اللبس أرضية قوية أمتدت مع الزمن وصولا إلى لحظة 2003 التي سجلت عودة عجولة للضريبة أبقتها في طورها البدائي بعيدا عن "الأتمتة" (نظام إلكتروني للجباية يساعد في شفافية أكبر لعملية استيفاء الضرائب).
لذلك ترى التركة الموروثة قد فاقمت حالة الارتياب بوجود الفساد وتجذره مع غياب المبرر جدوى الضرائب على الارض ما خلق فجوة عداء لدى المواطن إزاء هذا المفهوم، ولعل حديث بعض الاقتصاديين عن وجود نحو خمسة ملايين محل تجاري يتجنب أصحابها تسجيلها ودفع الضرائب لها ابسط صورة عن واقع تلك الفجوة، من دون أن نغفل المشاكل الإدارية وسطوة المعقبين التي ستعترضهم في حال اقدموا على مراجعة الدوائر المختصة لتسجيل الضرائب.
ويلفت باحثون مختصون إلى أن إدارة ملف الضرائب يمكن أن يؤدي إلى حصول العراق على إيرادات تقدر بنحو 8.2 مليار دولار سنوياً وهو رقم يعادل موازنات دول أقليمية من الممكن أن يمحو وصمة الاقتصاد الريعي عن العراق بشرط ذهاب الأموال إلى مسارها السليم وصولا الى خزينة الدولة، لكن السؤال هل ما زال ذلك ممكنا بعد "فضيحة" سقوط الإيرادات بجيوب الشلل والاقتصاديات؟.
وربما لا يلام من يجزم بأن الحادثة حوّلت كل الأرقام الطويلة التي تعلن ضمن منجزات وإحصائيات النمو وغيرها إلى صفر على الشمال بنظر المواطن بل أسقطت ورقة الضرائب بالقاضية لكون الأموال المسحوبة لها راع متمثل بالشركات النفطية سيطالب بها لحد النهاية فكيف الحال بأموال لا راع لها ولا ولي؟ وكيف ستكون ردة الفعل في ظل النقمة المتصاعد حيال هذا المفهوم الذي يفرغ الجيوب بعد كل تواقع وطابع يطرز المعاملات الإدارية الاعتيادية؟.
أسئلة لها ما يبررها لمن يطّلع على عجائب السرقة الضريبية المسماة سرقة القرن خصوصا إذا اكتشف بانه يقدم (17 دولاراً) عن السفر الخارجي أثناء مغادرة المطارات و20 بالمئة لبطاقات إعادة شحن الهاتف المحمول والإنترنت، و15 بالمئة على تذاكر السفر والسيارات، غير ضرائب ورسوم معاملات شراء عقار أو مركبة وضرائب الطرق والجسور وضريبة الدخل والتقاعد والضمان الصحي التي يسمع بها إلا حينما يدفع عنها ممتعضا ومستغربا!.
ومع فورة تفاعلات قضية "السرقة الأكبر" تساور الكثيرون الشكوك إزاء تطبيق القانون لضرب الأيادي الفاعلة حقا التي تقف خلف ما يعرف بالمتهم الرئيس الذي كاد أن يفلت في رحلته الأخيرة عبر مطار بغداد، وتنتابهم المخاوف حول الصورة النمطية المفترضة للضريبة التي وأدتها إزدواجية التغاضي عن قطط سمينة أبتلعت كل ما يطهى في المطابخ السياسية، وهي مسائل مشروعة سيما مع دعوات طموحة لتعديل قانون الضرائب وتشكيل مفهوم جديد للضريبة الحديثة المؤتمتة تعيد للدولة هيبتها وتنقلها من انتكاسة القرن بشرط استيعاب وفهم كامل لدرس القرن.
جميع الحقوق محفوظة (ميل نيوز)