نكهة التراث الشعبي .. متحف شخصي يوثق الحياة الاجتماعية العراقية قبل 100 عام

نكهة التراث الشعبي .. متحف شخصي يوثق الحياة الاجتماعية العراقية قبل 100 عام

+A -A
  • 28-05-2023, 13:49
  • 518 مشاهدة
  • اراء ومقابلات / محليات

علاء كولي 


بإطلالة بسيطة تحيط بها الأشجار من كل مكان يظهر متحف التراث الشعبي في زقاق يعرفه الجميع بناحية الفضلية التابعة لسوق الشيوخ جنوب الناصرية، حيث تبرز دلالة استقبال الزائرين بلافتة صغيرة موضوعة بجانب الباب كتب فيها "أهلا ومرحبا بالضيوف الكرام".




ويبدو الطريق المؤدي الى بيت الشاعر وارد العنبر سالكا لمن لا يعرفه حينما يسأل عن مكانه، لمن يأتي من خارج المدينة، إذ أصبح علامة ثقافية وأدبية بارزة لأبناء محافظة ذي قار ممن يزورون بيت الشاعر الذي حوله الى متحف يجمع مقتنيات وأنتيكات قديمة مضى عليها الزمن وبجانبه أيضا أنشأ ديوانا ثقافيا أطلق عليه ديوان العنبر الثقافي.


بابتسامة لا تفارق وجهه، لا يستطيع العنبر أن يخفي شغفه بالتاريخ والتراث والمقتنيات الشعبية التي كانت قبل عقود تمثل حياة السكان وتوثق تفاصيلهم الاقتصادية والزراعية وأثرهم، ليحول هذا الشغف فيما بعد الى متحف شخصي ليحفظ كل تلك الاشياء التي مضى عليها الزمن.



دفع شغف وولع الرجل الستيني والمتقاعد قبل عدة سنوات بالتراث الى اقتطاع اجزاء من بيته ومرتبه ليحولها الى منبر ثقافي ومتحف فني فلكلوري يجمع فيه مقتنيات وإرث مدينته قبل أكثر من مائة عام.



كانت الفكرة هو أن يكون هناك مكان خاص يوثق حياة الأجداد قبل عدة عقود، كما يقول العنبر لـ"ميل"، وعلى هذا الأساس كانت الفكرة تأسيس ديوان وارد العنبر الثقافي ليحتضن الفعاليات الثقافية والفنية وتقام فيه الأماسي الشعرية ويحضره عشرات الأدباء والمثقفين في المدينة.


يؤكد العنبر، بأن "المشروع شخصي وليس ربحياً ولا أود أن أسير بهذا الاتجاه. هذا أرثنا وثقافتنا وهويتنا الجنوبية وهو تعريف للأجيال السابقة كيف كانت الحياة الاجتماعية وكيف كانت وسائل الناس التي يستعملونها في الماضي، ليس الماضي القديم بل هذا الذي يتجاوز المائة عام".


فكرة قديمة 


يقول العنبر بأن "الفكرة في جمع المقتنيات القديمة ووضعها في مكان واحد، راودته قبل أكثر من 30 عاما، لكن الوضع العام والأزمات العامة في البلد لم تجعله يكمل مشروعه، لكنه تمكن أخيرا في العام 2008 من البدء بتجميع المقتنيات، حيث كانت أول الاشياء هي الأغراض الزراعية القديمة التي تجاوز عمرها المائة عام".


بعد ذلك "بدأت في الجمع من الاصدقاء والأٌقرباء ممن يمتلكون بعض المقتنيات القديمة، حيث حصلت على اغراض لم تذكر الا في الحكايات القديمة مثل غرفة الزفاف وصندوق الخطوبة والكراسي القديمة حتى القبقاب الخشبي حصلت عليه من سكان المدينة"، كما يقول العنبر.


ولم يحصل العنبر على أي مساعدة من العوائل ممن تمتلك مقتنيات قديمة، إذ يقول إنه اعتمد على جهده الخاص بتوفير تلك الأغراض من أصغر حاجة مثل ماكينة الحلاقة وحتى الطواحين والمجرشة وغيرها من الأغراض الزراعية القديمة.


التأسيس 


يضم المشروع صالتي جلوس إضافة لديوان كبير مفتوح على حديقة طويلة، ومتحف يحتوي على أكثر من 150 قطعة من الصغيرة والكبيرة وموزعة على مواضيع مختلفة وتنتمي لتواريخ وحقب زمنية مختلفة.


العنبر أسس ديوانه الثقافي في البداية مطلع عام 2017 وسماه ديوان العنبر الثقافي والذي أصبح مجلسا مفتوحا للضيوف وأبناء الناحية والعشائر القريبة منه واستقبل أدباء وفنانين وشعراء وإعلاميين وناشطين ومسؤولين.


المتحف والديوان الثقافي، هما بالنهاية كما يوضح العنبر "نهدف من خلاله للحفاظ على ماضينا تجاه الأفكار الدخيلة وهي مسؤولية وطنية وأخلاقية كبيرة علينا أن مواجهتها بشكل حقيقي، والمكان مفتوح لكل زائر أو باحث مهتم بالفلكلور أو التراث الشعبي".


مقتنيات نادرة


أبرز المقتنيات التي جمعها العنبر في متحفه الشخصي، والتي تجاوزت 100 قطعة تراثية تضمنت الات الحراثة والسقي والزراعة ومعدات طحن الحبوب ومعدات لخزن السوائل مثل الحليب والماء، إضافة للأسلحة النارية وأدوات الصيد.


وتوجد في المتحف مقتنيات تعود للعام 1889 مثل أدوات الزراعة، كما يمتلك بندقية شاركت بالحرب العالمية الأولى، وطاولة خاصة تعود لرئيس الوزراء في العهد الملكي نوري السعيد، حيث كان يستخدمها في منزله، وحصل العنبر عليها من عائلة ورثتها لدى عملها في الخدمة بقصر نوري السعيد آنذاك.


التحدي


تعترف الناس القريبة من عائلة العنبر بأن كل الجهود التي قدمها في بناء المتحف والمجلس الثقافي هي جهود شخصية، سيما ما يتعلق بالمتحف الشعبي. العنبر كما يقولون لا يبحث عن مشروع اقتصادي بقدر ما يحاول ترسيخ وتوثيق الحياة الاجتماعية في هذه المدينة قبل أكثر من مائة عام.


يؤكد العنبر من جهته أن "كل ما عمل عليه وقدمه من جهد مالي كان من جيبه الخاص، ولم يقدم على أي طلب لأي جهة حتى تسعى لبنائه، المشروع شخصي وثقافي نحاول بهذه الافكار أن ندعم المشاريع الثقافية غير الربحية وليس بالضرورة أن نقف أمام جهة ما كي نطلب منها دعما ماليا".


ويضيف أن "المتحف يعاني اليوم بعض المشاكل المتعلقة بتعرضه للامطار، فخلال هذا الموسم يتم جمع الاغراض في مكان واحد فقط ويتم تغطيته ببعض الأكياس حتى لا تتعرض تلك الاغراض للتلف، نغطيها بسبب تسرب الامطار عبر سقف المتحف الذي هو عبارة عن خشب وبعض الاغطية ويحتاج الى أموال لغرض أدامته والعمل على ترميمه بشكل جيد".


ويصر العنبر على كل من يدخل متحفه أول مرة أن يدون اسمه وملاحظاته في سجل خاص وضعه على طاولة بجانب باب الدخول للمتحف، وفيها دون العديد من الشخصيات ملاحظاتها وآراءها بالمتحف والجهود التي يبذلها الرجل الستيني والذي لا يزال حتى الآن مواظبا على متابعة أي مقتنيات جديدة يعثر عليها في الأسواق.